محتويات
- ١ الاستحاضة
- ٢ معنى الاستحاضة
- ٣ أحكام المُستحاضة
- ٣.١ حكم دم الاستحاضة
- ٣.٢ طهارة المُستحاضة
- ٣.٣ حكم ما يسيل من دم المُستحاضة على الثّوب
- ٣.٤ ما تراه الحامل من الدّم أثناء حملها
- ٤ أحوال المستحاضة
- ٥ المراجع
الاستحاضة جاءت أحكام الطّهارةِ في الإسلام تامّةً كاملةً بكل تفاصيلها وجُزئياتها وبكل ما يتعلّق بها، فالإسلام لم يترك شاردةً ولا واردةً، صغيرةً ولا كبيرةً إلا ذكرها وبيَّن أحكامها وتفاصيلها، وذلك إنّ دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلُّ على عِظَم الدِّين الإسلامي وشموليّته وصلاحيّته لكل زمانٍ ومكان.
معنى الاستحاضة الاستحاضةُ لغةً مصدر استحيضت المرأة فهي مُستحاضة.[١] أمّا الاستحاضة اصطلاحاً فهي سيلانُ الدّم في غير أوقاته، من مرضٍ وفسادٍ، من عرق في أدنى الرّحم يُسمّى العرق العاذل.[٢]
عرّف الحنفيّة[٣] الاستحاضة بأنّها دمُ عِرق انفجر ليس من الرّحم. وعرّفها الشافعيّة[٤] بأنّها (دمُ علّة يسيلُ من عرقٍ من أدنى الرّحم يُقال له العاذل).
ذكر الدّكتور وهبة الزحيليّ تعريفاً شاملاً للاستحاضة، فقال: (سيلان الدّم في غير أوقاته المُعتادة (غير الحيض والنّفاس) من مرض وفساد، من عِرْق أدنى الرّحم يُقال له العاذل، فكل نزيف من الأنثى قبل مُدّة الحيض (وهي تسع سنين)، أو نقص عن أقّل الحيض، أو زاد على أكثره أو أكثر النّفاس، أو زاد عن أيّام العادة الشهريّة وجاوز أكثر مدّة الحيض، أو ما تراه الحامل (الحُبلى) في رأي الحنفيّة والحنابلة، هو استحاضة).[٥]
أحكام المُستحاضة حكم دم الاستحاضة
الاستحاضة حَدَث دائم كسلَس البول باتّفاق الفقهاء، أو كالرُّعاف الدّائم، أو كالجرح الذي لا يتوقّف دمه ولا ينقطع عند الحنفيّة[٦] والحنابلة[٧]، فلا يمنع شيئاً ممّا يمنعه الحيض والنّفاس من صلاة وصوم ولو كانت نافلةً، وطوافاً، وقراءة قرآنٍ، ومسَّ مُصحف، ودخول المسجد، والاعتكاف، والوطء ، وقد دلَّت على ذلك الأحاديث الثّابتة عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام في ذلك، منها:
- ما روت أم المُؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (إني امرأة أُسْتَحاض، فلا أطهرُ، أفأدع الصّلاة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنما ذلك عِرْق (أي ينزف)، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها (قدر عادتها) فاغسلي عنك الدم، وصلِّي).[٨]
- عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تُستحاض وكان زوجها يغشاها.[٩]
وهذا جاء في إباحة وطء المُستحاضة هو ما قرّره الفقهاء، وقد ورد عن الإمام أحمد[١٠] روايتان: الأولى وهي إباحة وطء المُستحاضة، والثانية وهي الرّاجحة في المذهب بأنّ المُستحاضة لا توطأ إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور، واستدلوا بقولهم أنَّ المُستحاضة بها أذىً، فيُحرَم وطؤها كالحائض، قال الله عزَّ وجلَّ في الحائض مُعلّلاً منع وطئها بالأذى:
(قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)،[١١] لكن إذا انقطع الدّم أباح الحنابلة وطء المُستحاضة من غير غسل؛ لأن الغسل ليس بواجب عليها كما هو في سلس البول.
طهارة المُستحاضة
ذهب المالكيّة[١٢] إلى استحباب وضوء المُستحاضة لكلّ صلاة، ويُستحَبّ لها أيضاً الغسل بعد انقطاع دم الاستحاضة.
ذهب الحنفيّة[١٣] والشافعية[١٤] والحنابلة[١٥] (الجمهور) إلى أنَّه يجب على المُستحاضة أن تتوضّأ لكل صلاة بعد أن تُطَهِّر فرجها، وتتحفّظ وتحتاط من نزول الدّم في الصّلاة بما تيسّر لها لأجل ذلك، لقول النبي عليه الصّلاة والسّلام لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدّم: (أنْعَت لك الكُرْسُفَ، فإنه يُذهب الدمَ)؛[١٦] والدليل على أنّ المُستحاضة تتوضأ لوقت كل فريضة هو أنّ النبي عليه الصّلاة والسّلام قال في المستحاضة: (تدع الصّلاة أيام أقرائها (حيضاتها)، ثم تغتسل، وتتوضّأ عند كل صلاة، وتصوم وتُصلّي).[١٧]
حكم ما يسيل من دم المُستحاضة على الثّوب
ذهب الحنفيّة[١٨] إلى أنّه إذا أصاب الثّوب من الدّم مقدار مَقعِر الكفّ فأكثر وجب غسله إذا كان الغسل ذا فائدة، وإذا تنجّس الثّوب مرّةً ثانية قبل أن تُنهي صلاتها جازلها ألا تغسل الثّوب؛ لأنّ في إلزامها التّطهير مشقّةً وحرجاً. ذهب الشافعيّة[١٩] إلى أنَّه إذا تحفّظت لم يضرّ الطّهارة خروج الدم، حتّى لو لوَّث لباسها في تلك الصّلاة.
ما تراه الحامل من الدّم أثناء حملها
اختلف الفقهاء في الدّم الذي تراه الحامل هل هو دم حيض أم لا، فذهب الحنفيّة[٢٠] والحنابلة[٢١] إلى أنّ دم الحامل دم علّة وفساد؛ أي أنَّه دم استحاضة وليس بدم حيض، وأنّ الحامل لا تحيض، وقد استدلّوا بما رواه أبو سعيد الخُدريّ رضي الله عنه أنَّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قال في سَبي أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض)،[٢٢] ووجه الاستدلال أنّه جعل الحيض دلالةً على براءة رحم المرأة، وبناءً على هذا لا يجتمع الحيض مع الحمل، أي أن تكون المرأة حاملاً وحائضاً في نفس الفترة، وعلى هذا يكون الدم دم استحاضة، واستدلّوا أيضاً بقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام في حق ابن عمر - لما طلّق زوجته وهي حائض-: (مُره فليراجعها ثم ليُطلّقها طاهراً أو حاملاً)،[٢٣] فجعل وجود الحمل علماً ودلالةً على عدم الحيض كالطّهر؛ أي كما أنّ الطّهر دلالة على عدم وجود الحيض، فالحمل أيضاً دلالة على عدم وجود الحيض.
وقد ذهب المالكيّة[٢٤] والشافعيّة[٢٥] إلى أنّ دم الحامل حيض، وقد استدلّوا بعمومِ الأدلّةِ ومنها قول النبي عليه الصّلاة والسّلام: (دم الحيض أسود يُعرَف)،[٢٦] واستدلّوا أيضاً بإجماع أهل المدينة عليه.
أحوال المستحاضة للمُستحاضة ثلاث حالات:[٢٧]
- أن تكون مدّة الحيض معروفة للمُستحاضة قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تُعتبر المدّة المُتعارف عليها هي مدّة الحيض، والباقي استحاضة، كأن تكون مدّة حيض المرأة المُعتادة ستّة أيام وما زاد عليها يُعتَبر استحاضة، فتتوقّف عن الصّلاة مدّة حيضتها، وما زاد على أيام الحيضة تتوضّأ لكل صلاة.
- أن تكون المُستحاضة ممّن اعتادت الاستحاضة لكنّها لا تستطيع تمييز دم الحيض عن دم الاستحاضة، وعندها يكون حيضها ستّة أيام أو سبعة كأغلب النّساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: (كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فجئت رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بن جحش، قالت: فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضةً كثيرةً شديدةً، فما ترى فيها وقد منعتني الصّلاة والصّيام؟ فقال: أنعت لك الكرسف فإنّه يُذهِب الدّم. قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فتلجَّمي. قالت: إنّما أثج ثجاً، فقال: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليها فأنت أعلم، فقال لها: إنّما هذه ركضة من ركضات الشّيطان، فتحيضي ستة أيام إلى سبعة في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلّي أربعاً وعشرين ليلةً، أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيّامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كلّ شهر كما تحيض النّساء وكما يطهرن بميقات حيضهنّ وطهرهنّ، وإن قويت على أن تؤخّري الظّهر وتُعجّلي العصر فتغسلين ثم تُصلّين الظّهر والعصر جميعاً، ثم تُؤخّرين المغرب وتُعجّلين العشاء وتجمعين الصّلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتُصلّين، فكذلك فافعلي وصلّي وصومي إن قدرت على ذلك. وقال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: وهذا أحب الأمرين إليّ).[٢٨]
- أن لا تكون لها عادة، ولكنّها قادرة على تمييز دم الحيض عن غيره، وفي هذه الحالة تعمل بالتّمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش: (أنّها كانت تستحاض، فقال لها النّبي عليه الصّلاة والسّلام: إذا كان دم الحيض فإنّه أسود يُعرَف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصّلاة، فإذا كان الآخر فتوضّئي وصلّي فإنّما هو عرق).[٢٩]
المراجع ↑ أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (1997)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 141. ↑ خالد بن علي بن محمد بن حمود بن علي المشيقح، المختصر في فقه العبادات، السعودية: الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات، صفحة 21. ↑ حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (2005)، مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح (الطبعة الأولى)، القاهرة: المكتبه العصرية، صفحة 63. ↑ شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 277، جزء 1. ↑ د وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 633، جزء 1. ↑ علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، الهداية في شرح بداية المبتدي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 34، جزء 1. ↑ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (1397هـ)، حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع (الطبعة الأولى)، صفحة 240، جزء 1. ↑ رواه ابن حزم، في المحلّى، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2/209، صحيح من رواية الثقات مسند. ↑ رواه الذهبي، في المهذب، عن عكرمة مولى ابن عباس، الصفحة أو الرقم: 1/322، مرسل. ↑ ابن قدامة (1968)، المغني، القاهرة: مكتبة القاهرة، صفحة 246، جزء 1. ↑ سورة البقرة، آية: 222. ↑ عبيد الله بن الحسين بن الحسن أبو القاسم ابن الجَلَّاب المالكي (2007)، التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 44، جزء 1. ↑ الإمام العيني (2000)، البناية شرح الهداية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 671، جزء 1. ↑ الماوردي (1999)، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 368، جزء 1. ↑ خالد بن إبراهيم الصقعبي، مذكرة القول الراجح مع الدليل لكتاب الطهارة من شرح منار السبيل، السعودية: دار أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، صفحة 133. ↑ رواه الإمام أحمد، في سنن الترمذي، عن حمنة بنت جحش، الصفحة أو الرقم: 128، حسن صحيح. ↑ رواه الطحاوي، في شرح معاني الآثار، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1/102، صحيح. ↑ السرخسي (1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة ، صفحة 85، جزء 1. ↑ أحمد سلامة القليوبي ،أحمد البرلسي عميرة (1995)، حاشيتا قليوبي وعميره، بيروت: دار الفكر، صفحة 115، جزء 1. ↑ أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي (1322هـ)، الجوهرة النيرة (الطبعة الأولى)، مصر: المطبعة الخيرية، صفحة 34، جزء 1. ↑ إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب المروزي، المعروف بالكوسج (2002)، مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (الطبعة الأولى)، السعودية: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 1317، جزء 3. ↑ رواه محمد ابن عبد الهادي، في تنقيح تحقيق التعليق، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 243/1، إسناده حسن. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1471، صحيح. ↑ أبو محمد، وأبو فارس، عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي المعروف بابن بزيزة (2010)، روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (الطبعة الأولى)، لبنان: دار ابن حزم، صفحة 281، جزء 1. ↑ أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 348، جزء 1. ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن فاطمة بنت أبي حبيش، الصفحة أو الرقم: 232/1، صحيح. ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 87، جزء 1. ↑ رواه الإمام أحمد، في تنقيح تحقيق التعليق، عن حمنة بنت جحش، الصفحة أو الرقم: 1/237، حسن صحيح. ↑ رواه أبو داوود، في سنن أبي داوود، عن فاطمة بنت أبي جحش، الصفحة أو الرقم: 286.