من المعروف أنّ الدين الإسلامي الحنيف قد حثّ المسلم على تحرّي الإتقان في سائر أعمال حياته الدينية والدنيوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، فإنّ كان ذلك كذلك فمن الأولى والأحرى الاعتناء وتحرّي الدّقة والإتقان في تلاوة القرآن؛ فهو خير ما يعتني به المرء المسلم كيف لا وهو المتعلّق بكتاب خالقه ومعبوده.
السؤال الآن ما سبيل الوصول لإتقان تلاوة حروف القرآن على الوجه الذي علمنا إياه النبي العدنان (صلى الله عليه وسلم) ويرتضيه ربنا ذو الجلال والإكرام؟ الحقيقة إنّ لتلاوة القرآن علمٌ قائمٌ بحد ذاته وهو من أجلّ العلوم الذي اعتنى بها علماء الإسلام على مر التاريخ، وهو ما أصطلح المتخصصون على تسميته بعلم التجويد، ولسنا في هذه العجالة بصدد الحديث عن علم التجويد بأصوله وفروعه ودقائقه وفصوله وإنّما أردناه في هذه المساحة الصغيرة ما هو إلّا التعرّض لحكم من أحكامه المهمة والذي قد يتكرر مع التالي لآيات القرآن الكريم أكثر من عشرين مرة في الصفحة الواحدة من صفحات هذا الكتاب العظيم ؛ وهو ما سمّي اصطلاحاً بحكم الإخفاء والذي ينتمي لباب من أبواب التجويد المعروفه عند أهل هذا العلم بأحكام النون الساكنة والتنوين.
أحكام النون الساكنة والتنوين هي الأحكام التي تعرض للحرف الذي يأتي في القرآن بعد حرف نون ساكنة -وهذا قد يكون في كلمة واحدة أو كلمتين منفصلتين- أو الحرف الذي يأتي بعد تنوين -وهذا لا يكون إلا في كلمتين منفصلتين-، وأحكام النون الساكنة والتنوين تشمل الإدغام والإظهار والإقلاب بالإضافة لحكم الإخفاء موضع شرحنا وتفصيلنا. وإذا علم التجويد قد صنّف صفات الحروف إلى صفات لازمة وأخرى عارضة ؛ فأحكام النون الساكنة والتنوين ومنها الإخفاء من الصفات العارضة التي تعرض للحرف في أحوال مخصوصة وتنفك عنه في سواها.
لتوضيح حكم الإخفاء لا بدّ من تعريفه لغة واصطلاحاً:
ليتّضح معنى الإخفاء لا بد أن نتظرق في إيجاز سريع لحكمي الإظهار والإدغام كون الإخفاء حالة وسط بينهما؛ فالإظهار يعطي الحرف المظهر صفته كاملة بينما الإدغام إدخال حرفين ودمجهما معاً ليصيرا كحرف واحد مشدّد.
الإخفاء يختص بالحروف التالية بالتحديد: الصاد، والذال، والثاء، والكاف، والجيم، والشين، والقاف، والسين، والدال، والطاء، والزاي، والفاء، والتاء، والضاد، والظاء. وهي خمسة عشر حرفاً، فإذا جاء حرف من هذه الحروف بعد نون ساكنة أو تنوين إنطبق عليه حكم الإخفاء، وحروف الإخفاء يمكن جمعها في أوائل كلمات البيت التالي لكي يسهل حفظها:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما
دم طـيبا زد في تقى ضـع ظـالماً
من الأمثلة التطبيقية على هذا الحكم من القرآن الكريم : ينصركم، ريحاً صرصراً، منذر، جميعاً ثم، أنجيناكم، وفي النهاية لنستحضر قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (الماهرُ بالقرآن مع السفرةِ الكرامِ البرَرَةِ . والذي يقرأ القرآنَ ويتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ ).
المقالات المتعلقة بما هو الإخفاء