هناك بعض الأمور والمظاهر في الحياة الدُّنيا ميَّزها الله سُبحانه وتعالى بصبغةٍ خاصّةٍ، وأعطاها مكانةً فريدةً، ومنزلةً جعلتها ترقى من كونها أمراً دُنيويّاً بحتاً؛ لتُصبحَ شعيرةً من الشعائر التي يتقرّب بها العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى، فمن ذلك أن ميَّز شهر رمضان المُبارك من بين شهور السّنة بالصّيام، والقيام، ومُضاعَفة الأجر، كما ميَّز أيّام شهر رمضان العشر الأواخر ولياليهنّ، وجعل قيامَهُنَّ فضيلةً لا يبلُغُها إلّا من بلغ مكانةً رفيعةً من العلوّ الدينيّ، وميَّز بين تلك اللّيالي؛ خاصّةً ليلة القدر التي ذكرها في كتابه العزيز؛ فليلة القدر تُعدّ من أهمّ ليالي شهر رمضان المُبارَك الذي هو أهمّ شهرٍ في السّنتَين الهجريّة والميلاديّة.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى لِلَيالي العشر الأواخر وليلة القدر تحديداً علاماتٍ ومظاهرَ خاصّةً تتميّز بها؛ ليُدرك من يُقيمها أنّه أصاب ليلة القدر، ويرجع ذلك إلى عِظَم أجر قيامها؛ فالمسلمون يترقّبونها؛ لينالوا أجر قيامها الذي يُعدّ خيراً من قِيام وصِيام وعبادة ألف شهرٍ، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)،[١] فما هي مظاهر ليلة القدر وعلاماتها التي أشارت إليها النّصوص الصّحيحة؟
معنى ليلة القدر ليلة القدر لُغةًللوصول إلى تعريفٍ تامٍّ لليلة القدر، لا بُدّ أن تُعرَّف اللفظتان اللتان تتكوّن منهما، وهما: ليلة، وقدر، وفيما يأتي بيان معناهما في اللُّغة:[٢]
تُعرَّف ليلة القدر اصطلاحاً بأنّها ليلة مُبارَكة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، أنزل الله -سبحانه وتعالى- فيها القرآن العظيم، وفيها يُفصّل ما يكون في السّنة من مقادير الخلائق والعباد، ويُعدّ العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر من غيرها من الأيام واللّيالي.[٥]
أيّام ليلة القدرليلة القدر هي ليلةٌ اقتصر وجودها على شهر رمضان المُبارك، وتحديداً في الليالي الفرديّة من العشر الأواخر فقط؛ حيث رُوِي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مُبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتُغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)،[٦] أمّا تخصيص الليالي الفرديّة لها عن باقي ليالي العشر؛ فدليلُه ما رواه عُبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- حيث قال: (خرج النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخبرنا بليلةِ القدرِ، فتلاحَى رجلانِ من المسلمينَ، فقال: خرجْت لأُخبِركم بليلةِ القدرِ، فتلاحَى فُلانٌ وفُلانٌ فرُفِعَت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمِسوها في التّاسعةِ والسّابِعةِ والخامِسةِ).[٧]
المقصود من الحديث السّابق أنّ ليلة القدر كانت معلومةً، وقد أوشك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على إخبار الصّحابة بها، حتّى اختلف في موعدها رجُلان من الصّحابة، فغُيِِّب موعدها الدّقيق وبقي مُعوَّماً؛ كونها من الليالي الفرديّة من العشر، وهي حسب نصّ الحديث تحديداً ليلة التّاسع أو السّابع أو الخامس والعشرين من العشر الأواخر من ليالي شهر رمضان المُبارَك، وقد جاء في حديثٍ آخر رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (هيَ في العَشرِ، هيَ في تِسعٍ يَمضِينَ، أو في سَبعٍ يَبقَينَ؛ يعني ليلةَ القدرِ)؛[٨] فقد حدّد رسول الله ليلة القدر في هذا الحديث، وخصَّها بليلة التّاسع والعشرين، أو السّابع والعشرين من شهر رمضان فقط.
علامات ليلة القدرلِلَيلة القدر الكثير من العلامات التي تدلّ عليها، وتُرشِد إلى تحقُّقها في ليلةٍ دون الأُخرَيات من ليالي العشر؛ حيث إنّها مجهولةٌ للمسلمين، ومن بين تلك العلامات ما أخبرَ عنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أكثر من حديثٍ، ومنها ما رواه عبادة بن الصّامت -رضي الله عنه- وفيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (... إنَّ أمارةَ ليلةِ القدرِ أنّها صافيةٌ بَلِجَةٌ، كأنَّ فيها قمراً ساطعاً، ساكنةٌ ساجيةٌ لا بردَ فيها، ولا حرَّ، ولا يحلُّ لكوكبٍ أنْ يُرمى به فيها حتّى تُصبِحَ، وإنّ أمارتَها أنَّ الشّمسَ صبيحتَها تخرجُ مُستوِيةً ليس لها شعاعٌ مثلَ القمرِ ليلةَ البدرِ، لا يحلُّ للشّيطانِ أن يخرُجَ معها يومَئذٍ).[٩]
ومن علامات ليلة القدر التي ذُكِرت في الحديث السّابق ما يأتي:[٥]
لِلَيلة القدر منزلة رفيعة جليلة، وفضائل كثيرة عديدة، ومن تلك الفضائل:[١٠]
المقالات المتعلقة بما مظاهر ليلة القدر