شاع مصطلح حق الفيتو عام 1945م بعد نِهاية الحَرْب العالمية الثَّانية وقيام هيئة الأُمم المُتَّحدة، وقد تمّ مَنْح حقّ الفيتو أو حقّ النَّقض لِخمسة من أعضاء مجلِس الأمن الدَّولي الخمسة عشر؛[١] حيث يتكوَّن مِجلِس الأمن الدَّولي من خمسة عشر عضواً من أعضاء هيئة الأُمم المُتَّحدة، وهم ينقسمون إلى أعضاء دائمين وعددهم خمسة، وأعضاء غير دائمين وعددهم عشرة، ويتمّ انتخاب الأعضاء غير الدائمين لِمُدة عامين بواسطة الجمعية العامَّة للأمم المتحدة، ويكون انتخابهم بناء على قدرتهم على الحِفاظ على السَّلام والأمن الدوليين، ويوجد مُمثِّل دائِم لكل عضو في مقر الأُمم المُتَّحدة، كما تتناوب الدُّول الأعضاء شهرياً على رِئاسة مَجلِس الأمن حسب التَّرتيب الأبجدي لأسمائِها، ولِكل عضو منها صوت واحد فقط.[٢]
مفهوم حق الفيتوإنّ كلمة فيتو هي كلمة لاتينية تحمل معنى الاعتراض،[١] وفي اللغة فقد ورد في معجم المعاني الجامِع أنَّ حقّ الفيتو أو حقّ النَّقض في السِّياسة هو (حقّ خُصَّت به الدُّول الخمس ذات المَقعَد الدَّائم في مَجلِس الأمن التَّابع لِهيئة الأمم المُتَّحدة في نقض قرارات المَجلِس وإبطالها).[٣] إنَّ حقّ الفيتو هو حقّ يسمح بالاعتراض على أي قرار يُقدَّم دون إبداء أسباب الاعتراض، ويُمنَح للأعضاء الخمس دائمي العضوية في مَجلِس الأمن، وهم: روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والولايات المُتَّحدة، وهو حقّ إسقاط القرار وعدم تمريره أو رفض تشريع مُقترَح، والجدير بالذّكر أنَّه لمْ يَرِد لفظ فيتو في ميثاق الأُمم المُتَّحدة، بل ورد لفظ حقّ الاعتراض؛ لكنَّه فِعلياً حقّ يقضي بإسقاط القرار وليس مُجرّد اعتراض فقط؛ حيث يَكفي اعتراض أي دولة من الدُّول الخمسة الدَّائِمة العضوية في المَجلِس لِيتم رفض القرار بصورة نهائيّة حتّى لو تمَّ قبوله من قِبَل الدًّول الأربعة عشر الأُخرى.[٤]
الفيتو من النَّاحية القانونيَّة الدَّولية هو سٌلطة ممنوحة لِلدُّول ذات العُضويَّة الدائمة في مَجلس الأمن الدَّولي تسمح بِمَنع المجلس من اتِّخاذ أيّ قرار لا يتَّفق مع مصالِحها؛ وذلك عن طريق التَّصويت السَّلبي على مشروع القرار، ويتَّضِح من ذلك أنَّه لِكي يُنفّذ الفيتو، فإنَّه يجب على الدَّولة المُعترِضة أنْ تعترِض على مشروع القرار بالتصويت السَّلبي، أمّا الامتناع أو التغيّب عن الحضور فلا يُشكِّل تصويتاً سلبياً على المشروع، ولا يمنع من تنفيذه.[٥]
تاريخ حقّ الفيتو واستخداماتهبدأ استخدام حقّ الفيتو مع تأسيس مُنظَّمة الأُمم المُتَّحدة العالميَّة في عام 1945م، ومن بِداية التّأسيس إلى الآن قامت الدُّول المعنيَّة بِحقّ الفيتو بِاستخدامه كما يلي: استخدمت موسكو الفيتو 120 مرَّة في عهد الاتِّحاد السوفياتي ويُستثنى منهم مرَّتين في عهد الاتِّحاد الرُّوسي، وبريطانيا 32 مرَّة اتفقت في البعض منهم مع الوِلايات المُتَّحدة أو مع فرنسا أو كلتيهما، والبعض الأخر لِلدِّفاع عن روديسيا لِمنع انهيارها ومع ذلك انهارت وقامت مكانها دولة زيمبابوي، وفرنسا 18 مرَّة، والصِّين 5 مرَّات، أما الولايات المُتَّحدة استخدمته 77 مرَّة من ضِمنهم 36 مرّة من أجل الدِّفاع عن مصالِح اسرائيل.[١]
يعود سبب إفراط موسكو في استخدام حقّ الفيتو في أعقاب الحرب العالميّة الثَّانية؛ بسبب مُعاندتها للغرب لدرجة أصبح وزير خارجيتها في ذلك الوقت يُلقَّب بالسيِّد نيات؛ أيّ الرَّافض على الدَّوام، أمّا الوِلايات المُتَّحدة فقد أبطلت 54 قراراً، واعترضت في 36 مرَّة منهم على قرارات تنتقِد إسرائيل أو تطالبها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينيَّة الَّتي احتلتها في عام 1967م، ثمَّ استخدمت حقّ الفيتو بعدها في رفضها لإدانة إسرائيل عند حرقها للمسجد الأقصى المُبارك أو اغتيال الشِّيخ المُؤسس لِحركة حماس أحمد ياسين،[١] كما أبطلت الولايات المُتَّحدة في عام 2011م قراراً يقضي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي رغم موافقة أربعة عشر عضواً عليه، وكانت الولايات المتَّحدة قد استخدمت حقّ الفيتو في عام 1976م ضد قرارين كانا يطالبان بإعطاء الشَّعب الفلسطيني حقّه في تقرير مصيره.[١]
قاعدة حقّ الفيتوتتمثَّل قاعدة حقّ الفيتو أو قاعِدة إجماع الدُّول الكبرى على أنّه لِكل عضو من أعضاء المجلِس صوت واحد فقط، وتنفيذ أيّ قرار يتعلَّق بالمسائل الموضوعيّة يتطلّب تسعة أصوات، ويجب أنْ تكون أصوات الأعضاء الدَّائمين من بينها، والكلمة الأخيرة أو حسْم التَّصويت يكون لِهؤلاء الأعضاء؛ لأنّ مسؤوليّة حِفْظ الأمن والسّلام الدوليين تقع على عاتقهم،[٤] كما كما تمتنع الدول الَّتي تكون طرفاً في النِّزاع عن التَّصويت، ويحق لِلدُّول الأعضاء في هيئة الأمم المُتَّحدة وليس في مَجلِس الأمن المُشاركة في مُناقشات المَجلِس ولكن ليس لديها حقَّ التَّصويت على إنفاذ القرارات، كما يضع المجلِس الشُّروط لِمُشاركة الدول غير الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة والَّتي تكون طرفاً في النِّزاع.[٢]
يتناقض حقّ الفيتو مع قواعد الأنظِمة الدِّيمقراطيَّة؛ إذ إنَّ الدُّول الدائِمة لم يتم انتخابها لِلعضوية الدائمة بشكل ديمقراطي، كما أنّه لا يتم التَّصويت على القرارات بنظام الأغلبية أيضاً، كما أنّ حقّ الفيتو قد ساعد الولايات المتحدة الأمريكية على دعم الكيان الإسرائيلي عن طريق إبطال أي قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بضرورة وقف الاحتلال للأراضي الفلسطينيَّة وأعمال القتل والعنف ضد الشَّعب الفلسطيني؛ ممّا أدَّى إلى التَّشكيك بٍمصداقيَّة الأُمم المُتَّحدة.[٤]
ظهرت في السّنوات الأخيرة العشر أصوات دوليَّة تُطالِب بتوسيع مجلس الأمن الدّولي وتعديل نظام الأمم المُتَّحدة؛ وذلك عن طريق إضافة دول أخرى مثل المانيا والبرازيل واليابان، وهناك أصوات أخرى دعت إلى إلغاء نظام الفيتو والاعتماد على نظام أكثر ديمقراطية وتوازن؛ حيث يرى البعض أنّ القرارات الّتي تصدُر تحت ظِل حقّ الفيتو هي قرارات ضعيفة النَّزاهة؛ إلّا أنَّ البعض الآخر يرى أنّ العالَم الآن لا يُمكِن أن يتحمَّل نظاماً ديرمقراطيَّاً جديداً؛ بحيث تنقسم فيه السلطات إلى ثلاث سلطات هي: المجلس التَّشريعي العالَمي، والجِهاز القضائي، والجِهاز التَّنفيذي؛ وذلك لأسباب سياسيَّة وعسكريَّة خارجة عن نطاق التفكير المثالي.[٤]
المراجعالمقالات المتعلقة بما المقصود بحق الفيتو