ما الفرق بين المسكين والفقير

خلق الله تعالى النّاس متفاوتين في المنازل، فالبعض منهم خُلق غنياً، وهناك من خُلق بحالة مادية متوسطة، وهناك من يعاني من الفقر المدقع، وما خلق الله الناس بهذا التفوات إلا لحكمة عنده؛ ولعلَّ الحكمة الأولى التي تتبادر إلى ذهن الإنسان المؤمن هي أن في تفاوت منازل الناس ابتلاءً واختباراً لهم.

الغنى ابتلاء من الله، والفقر أيضاً ابتلاء، وما بينهما ابتلاء، وكل أحوال الإنسان هي ابتلاء. ومن الحكم الجلية الواضحة أيضاً هي أن اختلاف منازل الناس مدعاة لتعاونهم أكثر، فلو كان الناس متساويين في رتبهم لما احتاجوا إلى بعضهم البعض، ولاستغنى كلٌّ بنفسه عن الآخرين، ولما تحققت غاية الله تعالى في خلقه؛ فتعاون الإنسان مع أخيه الإنسان غاية إلهية عظمى.

للحاجة المادية مراتب متفاوتة، وقد ارتبط تعريف مراتب هذه الحاجة بعبادات إسلامية هامة كعبادة الزكاة، والتي تعتبر قرينة الصلاة في العديد من الآيات الكريمة؛ ذلك أن الشريعة الإسلامية حددت مصارف الزكاة وجعلت على رأسها الفقراء والمساكين، كما ورد في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) ومن هنا فقد كان من الضروري استجلاء الفرق بين كل من هذين المفهومين الهامين.

اهتم العلماء المسلمون بالتفرقة بين مصطلحي الفقير والمسكين، وقد قالوا في ذلك أقوالاً عدة، لعلَّ أبرزها أن الفقير هو ذلك الشخص الذي وجد قليلاً مما يكفيه، ويجعله قادراً على العيش، أما المسكين فهو الذي لا يملك المال أبداً، وبهذا يكون الفقير أفضل وضعاً من الآخر المسكين.

هناك من ذهب إلى أن المسكين أفضل وضعاً من الفقير، بحيث أن المسكين هو من وجد شيئاً قليلاً يسد به رمقه، أما الفقير، فهو الذي لم يجد شيئاً أبداً، وأخيراً ذهب البعض إلى المساواة بينهما.

من الأمور الواجب ذكرها في هذا الباب أن هاتين الصفتين يضاف إليهما صفات أخرى تتعلق بتفصيل حالة الإنسان المادية، وهي من الصفات المتغيرة من مجتمع إلى مجتمع آخر، ومن زمان إلى زمان آخر؛ فالفقير والمسكين، يكونان كذلك بحسب الحالة المادية السائدة في زمان ومكان محددين، وهذا يعني أن الفقير أو المسكين في مجتمع قد يكون غنياً في مجتمع آخر، وأن فقير اليوم قد يصير غني الغد.

هذا الأمر هام جداً عند توزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية، فما يكفي الفقير أو المسكين من مال الزكاة في منطقة، قد لا يكفيه في منطقة أخرى؛ ذلك أن القصد كما هو معروف من تأدية الزكاة وتوزيعها هو كفاية المحتاج مادياً، وإبعاده عن السؤال.