جاءت كلمة العدّة في اللغة من الإحصاء والعد؛ واصطلاحاً هي تربص من فارقت زوجها بوفاة، أو حياة، بطلاق أو خلع أو فسخ، وهي المدة التي تقضيها المرأة منتظرة بعد انتهاء رابطة العلاقة الزوجية؛ حتى تتمكن بعدها من الزواج، فهي لا تستطيع أن تتزوج خلال فترة العدّة؛ بل بعد انقضائها. وحالات انتهاء رابطة العلاقة الزوجية كما هي مذكورة في التعريف فلا تزيد عنها، ويمكن تلخيص هذه الحالات في فئتين رئيسيتين وهما؛ الوفاة والإفتراق. ويشمل الإفتراق على الطلاق والخلع والفسخ. ولكل من تلك الفئتين شروط عدّة خاصة بها؛ ومدة لكل منها حسب ما جاء في الشرع. وحُكم العدّة واجبٌ على النساء في كافة الحالات المذكورة، وجاء الوجوب في الكتاب والسنة وبإجماع العلماء.
المرأة هي أصل النسل، وجاءت حكمة العدّة في الأساس لتتأكد المرأة من خلو رحمها من أي حملٍ من زوجها الذي مات عنها أو افترقت عنه، ولكن هناك امرٌ آخر اكتشفه العلم الحديث رداً على القائلين بأن العلم في زمننا هذا يمكن أن يعرف ما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا؛ بدون انتظار وبدون عدّة، فجاء التفسير العلمي ليُرينا الإعجاز الإلهي في هذا الأمر. فقد اكتشف العلم أن لكل رجلٍ شيفرة معينة توجد في حيواناته المنوية، فهو عندما يُجامع زوجته؛ فإن هذه الشيفرة تدخل إلى رحمها وتلتصق بها، ولا يمكن للمرأة أن تتخلص من هذه الشيفرة إلا بعد مرور وقتٍ على ترك الجماع، وأثبت العلم أن جزءاً من هذه الشيفرة يخرج من المرأة مع كل نزول لدم الدورة الشهرية، ويتم التخلص منها تماماً ومن وجودها في رحم المرأة بعد ثلاث حيضات، وهي الفترة التي جعلها الله سبحانه وتعالى كفترة لعدّة المرأة التي تفترق عن زوجها.
وهناك من يقول بأن الهجر لمدة طويلة قبل الفراق يجب أن يُلغي موضوع العدّة، فيكون الرد على هؤلاء الناس بأن العدّة هي فرضٌ من الله سبحانه وتعالى على النساء، وطول فترة الفراق لا تلغي الأمر الإلهي؛ كما أن طول فترة الحيض عند بعض النساء لا تلغي فرض الصلاة عنهن. أما عن أن فترة العدّة للمرأة التي يموت عنها زوجها؛ فتكون أربعة أشهر وعشرة أيام، أي أكثر من عدّة الافتراق والتي هي ثلاث حيضات، وكان ذلك وبإثبات العلم أيضاً؛ لأن المرأة التي يموت عنها زوجها فإنها تحزنُ عليه حزناً شديداً، فيكون أمر خروج شيفرته من رحمها أصعب؛ ويحتاجُ إلى وقتٍ أطول لتتخلَّص منها، فجاء أمر الله سبحانه وتعالى في أن تكون المدة على هذا الطول.
ومن حكمته سبحانه في تشريع العدّة؛ هو إعطاء وقت للزوجين في حالة الافتراق لمراجعة أنفسهم، واستدراك ما فعل إذا ندم عليه، فترجع المياه إلى مجاريها وتعود الحياة الزوجية إلى سابق عهدها. ومن اجل ذلك كان قضاء المرأة لعدتها في بيت زوجها أمراً شرعه الله، فالبعد يورث الجفاء، والأصل في الحياة الزوجية المودة والرحمة، فوجودها في بيت زوجها أثناء عدتها قد يُلين قلبه لها ويلين قلبها له؛ ويتم القضاء على الخلاف الذي أدى إلى وقوع الافتراق.
المقالات المتعلقة بما الحكمة من العدة