يُعد يوم الجمعة من أهمِّ وأحبّ الأيام عند المسلمين؛ حيث يجتمع فيه المسلمون في المسجد لأداء صلاة الجمعة، لذلك يعدُّ يوم الجمعة يوم عيدٍ للمسلمين؛ وهو يومٌ مخصصٌ لتباحث المسلمين فيما بينهم في أمور دينهم ودُنياهم من خلال خطبة الجمعة الأسبوعية، وبعد أداء الصلاة يلتقي المسلمون على المحبة والرحمة، ثم إذا انتهت الصلاة وقُضيت انتشروا في أرض الله طلباً وتحصيلاً للرزق من خلال البيع والتجارة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[١] وقد نصَّ الفقهاء على عددٍ من الفضائل والأحكام الخاصة بيوم الجمعة، كفضل الصلاة وحكمها، وحكم البيع والشراء والتجارة في يوم الجمعة أثناء وقبل وبعد الصلاة، وحكم تارك صلاة الجمعة، وحكم صلاة الجمعة للمسافر، وغير ذلك من الأحكام الفقهية والمسائل العملية التي يجب الأخذ بها على من يُدرك يوم الجمعة في جماعة المسلمين، وفيما يلي بيان بعض أحكام وفضائل يوم الجمعة وآدابها.
فضل يوم الجمعةيتميز يوم الجمعة عن غيره من الأيام بأفضلية خاصة لما فيه من الصلاة والذكر واجتماع المسلمين، وقد رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله عليه الصّلاة والسلّام: (خير يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنّة وفيه أهبط منها، ولا تقوم السّاعة إلا في يوم الجمعة)،[٢] وزاد مالك وأبو داود: (وفيه تيب عليه، وفيه مات، وما من دابّة إلا وهي مُصيّخة يوم الجمعة من حين تُصبح حين تطلع الشّمس شفقاً من السّاعة إلا الجنّ والإنس)، وزاد الترمذيّ: (وفيه ساعة لا يوافقها عبد مُسلم يُصلّي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إيّاه).[٣]
حُكم صلاة الجمعةصلاة الجمعة مفروضةٌ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ذكرٍ بالغٍ عاقلٍ حضر الجمعة وشهدها، وقد ثبتت فرضيتها بكتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أنّ الصحابة رضوان الله عليهم قد أجمعوا على فرضيتها وواظبوا على أدائها، وبيان أدلة فرضية الجمعة من الكتاب والسنة والإجماع فيما يلي:
شُرع في يوم الجمعة للمُصلّي مجموعةٌ من الأعمال، ومن تلك الأعمال غسل الجمعة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الاغتسال لصلاة الجمعة، بينما ورد عن بعض التابعين القول بوجوبه نقلاً عن بعض الصحابة،[٩] أما وقت غسل الجمعة المستحب فيكون بعد طلوع الفجر إلى وقت الصلاة، وكلما اقترب وقت الغسل من وقت ذهاب المصلين للمساجد كان ذلك أفضل وأحبّ؛ لحصول القصد من الغسل؛ وهو النظافة من الأدران والأوساخ والروائح المكروهة، أمّا الاغتسال للجمعة قبل صلاة الفجر فلا يُعتبر غُسل جمعة.[١٠]
يُشرع لمصلي الجمعة أن يُبْكر في الخروج للمسجد بعد الاغتسال؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: (من اغتَسَل يومَ الجُمعةِ غُسلَ الجنابةِ ثمَّ راح فكأنَّما قرَّب بدنةً، ومن راح في السَّاعةِ الثَّانيةِ فكأنَّما قرَّب بقرةً، ومن راح في السَّاعةِ الثَّالثةِ فكأنَّما قرَّب كبشاً أقرنَ، ومن راح في السَّاعةِ الرَّابعةِ فكأنَّما قرَّب دجاجةً ومن راح في السَّاعةِ الخامسةِ فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرج الإمامُ حضرت الملائكةُ يستمعون الذِّكرَ)،[١١] أمّا قول النبي في الحديث (من اغتسل غسل الجنابة) أي اغتسل كغُسله للجنابة، وقيل: بل المقصود أنّه جامَعَ زوجته ثم اغتسل للجنابة.
يُشرَع للمصلّي بعد الاغتسال أن يلبس الجميل من ثيابه ثم يَتطيّب ويسير نحو المسجد بخطوات ثابتة هادئة غير مسرعٍ ولا مهرول؛ لما رُوِي عنه -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (منِ اغتسلَ يومَ الجُمعةِ فأحسنَ غسلَهُ، وتطَهَّرَ فأحسنَ طُهورَهُ، ولبسَ من أحسنِ ثيابِهِ، ومسَّ ما كتبَ اللَّهُ لَهُ من طيبِ أَهلِهِ، ثمَّ أتى الجمعةَ ولم يلغُ ولم يفرِّق بينَ اثنينِ، غفرَ لَهُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الأخرى).[١٢]
صلاة وخُطبة الجمعةصلاة الجمعة مقسومةٌ إلى خطبةٍ وصلاة يبتدئ الإمام أولاً بالخطبة ثم ينتقل لأداء الصلاة، فالخطبة والصلاة ركنان للجمعة لا بد من الإتيان بهما، وفيما يلي بيانٌ لركني الجمعة الرئيسين:[١٣]
لا ينبغي لمسلمٍ أن يتعمَّد ترك صلاة الجمعة بلا عذر، لقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (من ترك ثلاث جمعات من غير عذرٍ كُتِب من المنافقين)،[١٥] كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله: (من ترك الجمعة ثلاث جمع مُتواليات فقد نَبَذ الإسلام وراء ظهره)،[١٦] فمن ترك صلاة الجمعة أو تساهل بها فقد ارتكب معصيةً عظيمةً، وختم الله على قلبه، ولا يُزكيه ولا ييسر له أمراً في دنياه، ويكون قد طُبع على قلبه النفاق إلى يوم القيامة إن ترك ثلاث جُمَعٍ متتالياتٍ كما جاء في الحديث الأول.[١٧]
أمّا حكم تارك صلاة الجُمعة فمُختلَفٌ فيه عند الفقهاء؛ حيث يرى ابن وهب المالكي أنّ تارك صلاة الجُمعة في مكانٍ يُمكن له الصلاة فيه دون عذرٍ مقبولٍ شرعاً كالمرض الشديد أو السفر المجيز لذلك لا تُقبل شهادته، بينما يرى سحنون من المالكية أنّ ترك صلاة الجمعة ثلاث جمعات متتالية تُسقط الشهادة عن تاركها، وقيل: بل إن شهادة تارك الجمعة تُردّ، حتى لو تركها جمعةً واحدةً فقط دون عذرٍ شرعي، وكان عمر بن عبد العزيز يأمر -إذا عُلم أنّ رجلاً لم يشهد الجمعة بلا عذر- أن يُربطَ في عمود ويعاقب على تركه لها، ولو كان ذلك مرةً واحدة،[١٨] وقال الشافعية: إنّ تارك صلاة الجُمعة يُقتَل، إذا كان قد تركها في بلدٍ يُجمع أهلها على وجوب الجمعة فيه ويقيمونها فعلاً كالأمصار، ويستتاب أولاً قبل تنفيذ القتل عليه، فإن لم يَتُب ويؤديها فعلاً قُتل، وقد جعل الشافعية حكم تارك صلاة الجمعة كحكم تارك الصلاة جحوداً؛ حيث إنّهم يرون أنّ من ترك الصلاة جحوداً بها يُستتاب أولاً، ثم يُقتَل إن لم يتب ويؤدي الصلاة.[١٩]
المراجعالمقالات المتعلقة بماهي فضائل وأحكام يوم الجمعة