إنّ الأحكام في الشريعة الإسلامية، والتي وَردت في القرآن الكريم، وفي سُنّة الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، تُعدّ أحكاماً تَعَبُّدية، والأصل أن يَلتَزم بها المسلم كما جاءت من عند الله تَبارك وتَعالى، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[١] وبالتالي فإنّ على كلّ مُسلمٍ أن يلتزم بهذه الأحكام، سواءً أدرك الحِكمة من وراء هذا الحكم الشرعيّ أم لم يُدركها.
حكم تناول لحم الخنزيرورد تحريم تناول لحم الخنزير في النصوص الشرعيّة في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، والأدلة التي ذُكرت على ذلك عديدة: [٢]
يُوضّح اللهُ تبارك وتعالى وهو الخالق العليم الخبير بأنّ العلّة في تحريم الخنزير هي في قوله تعالى: (فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[٧] ومعنى رجسٌ أي إنّه نجس، وهو ضارٌ جداً ومؤذٍ كُلَّه، ونَتنٌ لَحمه، وعَظمه وجِلده، وتُعَدّ هذه العلّة عِلّةً ذاتيةً؛ فهي قائمةٌ لا يُمكن أن تنفكّ أبداً عن لحم الخنزير ولا عن باقي أجزاء الخنزير؛ فجميع أعضاء الخنزير مُحرّمةٌ؛ لحومه، وشحومه، وعظامه، وجلوده، وغيرها؛ فكلّ ما يَنتج عن الخنزير فهو مُحرّمٌ لهذه العلة.
هذا من شأنه أن يُوَضّح أنّ العلّة في التحريم، لا تُعدّ علّةً عارضةً، أو علّةً مكتسبةً؛ فالعلّة العارضة، مثل أَكل الخنزير للقاذورات، وتَناوله للقمامة، والنفايات تَحدُث فى بعض الدّول فقط دون غيرها؛ لأنَّ الدّول الغربيّة تُطعم الخنزير أعلافاً، وتُربّي الخنازير فى حظائرَ، وزرائب صحيّةً ونظيفةً ومُغلقةً وربّما مُكيفة كذلك، وعندها تَنتفي هذه العلّة العارضة.[٨]
العلّة في كون الخنزير رجسٌ أيضاً ليست مُكتسبةً؛ فلا تَزول العلّة بزوال سببها؛ كإصابة الخنازير ببعض الأمراض، كالأمراض الطفيلية، والأمراض البكتيريّة، والأمراض الفيروسية؛ لأنّ هذه الأمراض مُكتسبةٌ ويُمكن السيطرة عليها، إمّا بالعلاج بواسطة المضادّات الحيويّة التي تُستخدم ضدّ مسببات بعض الأمراض السابقة، أو باستخدام أسلوب اللقاحات الوقائيّة؛ وهي مُستخدمةٌ وشائعةٌ جداً؛ لذلك فإنّها تَنتفي جميع العلل المُكتسبة، ولا تُعدّ عِللاً صالحةً للتحريم.[٨]
بانتفاء كلٍ من العلَّة العارضة، والعلَّة المُكتسبة يَنتَفي الحكم عندها، ولا شك أنّ هذا باطلٌ؛ لأنَّ في ذلك تكذيبٌ لكلام الله تعالى، الذى يقرؤه ويتلوهُ المسلمون حتى قيام الساعة. تبقى العِلَّة الذاتية في تَحريم الخنزير لنجاسته الذاتية، وهي العلّة التي لا تَنفك أبداً عن الخنزير، وعن كل ما يَتصل به، وهي كَونُه نَجِساً نجاسةً ذاتيةً، وضّاراً ضَرراً ذاتياً، ومُؤذياً لكلّ من يأكله، أو يَتعامل معه، سَواءً بالتربية، أو بالتعامل مع لحمه، إمّا بالجزارة، وإما بتناوله كطعام؛ فَالعِلّة في كَون الخنزير وكُل ما يتصل به، وينفصل عنه رِجسٌ هي الأصل الصحيح في الحكم الشرعي، وفي بقاء هذا الحكم الشرعي.[٩]
أهم مكونات لحم الخنزيريحتوي لحم الخنزير الذي حرّمته الشريعة الإسلامية على الدهون بكمياتٍ كبيرةٍ،[١٠] و يَمتاز لحم الخنزير باندحال الدهن فيه ضمن الخلايا العضلية، وعلاوةً على ذلك، فإنّ الدهون الكثيرة تَتواجد خارج خلاياه وفي أنسجته الضامّة، فالدهون موجودةٌ في الأنسجة بكثافةٍ عاليةٍ، أمّا لحوم الأنعام فإنها تنفصل فيها الدهون عن نسيجها العضلي ولا تتموضع الدهون المتعلّقة ببقيّة الأنعام الحلال ضمن خلاياها ولكنها تكون خارج الخلايا.[٨]
من الجدير ذكره ما ذكره العلماء حول ملاحظة د. هانس هايترش حيث لاحظ أنّ البشر الذين يتناولون شحوم الخنزير من أيّ منطقةٍ من جسم الخنزير فإنّ هذه الشحوم تَترسب في المنطقة ذاتها عند الإنسان الذي يتناول لحم الخنزير، وهكذا اكتشف د.هانس أن النّساء اللواتي يتناولن فخذ لحم الخنزير على سبيل المثال، فإنّه يُشاهد تشوه لديهنّ في الفخذين، وتشوه في الإليتين بكل وضوح، ثم إنّ الكولسترول الذي يَنتج عن تحلل لحم الخنزير داخل جسم الإنسان يَظهر في دم الشخص الذي يَتناول لحم الخنزير على شكل كولسترول جزئي، أي إنّ هذا الكولسترول كبير الذرة من حيث الحجم، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع ضغط الدم بكثرة، كما يؤدّي كذلك إلى مرض تصلّب الشرايين، وهما عاملان من عوامل التهديد والخطورة، والتي تُعتبر من ناحيةٍ علميةٍ تَمهيداً لاحتِشاء عضلة القلب.
يُعدّ لحم الخنزير لحماً غنياً بالمركّبات المحتوية على نِسَبٍ عاليةٍ من الكبريت؛ مما يجعله ذا تأثيرٍ على قابلية الامتصاص في الأنسجة الضامّة للماء، فتصبح الأنسجة الضامّة بسبب ذلك مثل الإسفنج، فتَكتسب شكلاً كيسياً واسعاً؛ مما يؤدي نتيجةً لذلك إلى تراكم بعض المواد المخاطية داخل الأوتار، وداخل الأربطة، والغضاريف، ويؤدّي نتيجةً لذلك إلى جَعلها رخوةً، الأمر الذي يُهَيئ للإصابة بالالتهابات وخاصةً الالتهاب الذي يُعرف بالتهاب المفاصل التنكسي، والذي يُصيب المفاصل، وخاصةً بين الفقرات، ويؤدّي أيضاً إلى تَنَكُس في العظام وتُصاب الأنسجة المحتوية على الكبريت بالتعفن، والتخمر كذلك، وتَنتج عن الأنسجة المُكبرتة روائح كريهة فواحة، بشكلٍ كريهٍ بسبب غاز كبريت الهدروجين الذي تُطلقه تلك اللحوم.
حَسب الدراسات التي أجراها بروفيسور roff فإن تَناول الوجبة الدسمة في المساء، والمُحتوية على لحوم الخنزير يُعتبر أساساً تمهيدياً في التحول السرطاني للخلايا؛ وذلك بسبب احتواء لحم الخنزير على هرمون النمو، وأثر هذه اللحوم في رَفع الكولسترول في الدم، وهو كولسترول كبير الذرة مقارنةً بالكولسترول الطبيعي.
يؤكّد د.هانس هايترش في دراساته بناءً على التجارب التي أجراها على احتواء لحوم الخنزير على نسبةٍ تُعتبر نسبةً عاليةً من مادة الهستامين، والتي تُسبب الأمراض الجلدية التحسُسية لآكلي لحم الخنزير، بنسبةٍ أكبر من غيرهم، مثل: الأكزيما، والشرى، وأيضاً التهاب الجلد، المعروف بالتهاب الجلد العصبي، وكذلك العَديد من الأمراض التي تنتج عن الارتفاع في كميّة ونسبة الهستامين في الدم، وتوصّل د.هانس هايترش إلى أنَّ مَرض الشَرى والحَكة التي يُصاب بها آكلي لحوم الخنزير تتلاشى وتَنتهي عند الامتناع عن أكل لحوم الخنزير بشكلٍ مطلق، وكذلك الامتناع عن تَناول المنتجات التي يَتم تَصنيعها من لحوم الخنزير.[٨]
المراجعالمقالات المتعلقة بلماذا لحم الخنزير حرام