كيف يهدي الله قوما

كيف يهدي الله قوما

قال الله تعالى في كتابه الحكيم (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). كثيرون يفهمون مضمون هذه الآية خطأً، فالمشيئة هُنا ليست أن يشاء الله له الهداية، لأنها لو كانت كذلك لانتفت عنه جلَّ وعلا صفة العدل وحاشا لله ذلك، فالإنسان لديه القدرة والحق على اختيار طريقه بنفسه. ولكن المقصود بهذه الآية؛ هو العبدُ أن يشاء الهداية. أي أنَّ الله يهدي من يريدُ الهداية ويسعى إليها، وليس من يبتعد عنها وعن أي طريق يوصل إليها.

اترك بينك وبين الله باباً لا تسُدُّه، لا تُصدر على نفسك حكماً بالهلاك بابتعادك عن الله سبحانه وتعالى كل البعد، فكما قالوا "إذا كثُرت المعاصي؛ فزاحمها بالطاعات"، ليس تحليلاً للمعصية ولا تبريراً لها، ولكن حتى لا يبتعد قلبك عن الله حتى يقسو وتكون ممن قال الله فيهم (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم). ولا تقل لا أظن الهداية تأتيني لأني فعلت كذا وكذا، بل تذكَّر دائماً قول الله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم). ولا تكن من الذين يغلقون الأبواب في وجههم، فهؤلاء قال الله عنهم (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون). وغلف، أي مغلفة، وتغليفها هو انسدادها أو انسداد محيطها عن استقبال أي أمر يدخل إليها. ومن هذه الفئة أولئك الذين اكتفوا بالعلم والحكمة ولا حاجة لهم للدين ولا للشريعة كما قال الأصمعي.

وقد وضع الله سبحانه وتعالى في خلقه من الدلة فوق ما يمكن للعقل من استيعابه، حتى يستدِلَّ بها الإنسان على وجود الله، فالله سبحانه لم يخلق شيئاً عبثاً، ومثاله ما قال سبحانه عن الإبل (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت). أي فليتفكَّروا في خلق الإبل، ففي هذا التفكُّر سبيل للاهتداء إلى الخالق عزَّ وجل. كل ما حولنا يدلُّنا على الخالق الواحد الأحد، والهداية في اللغة هي الدلالة والاسترشاد، أي التي تدلُّك على طريق الحق والصواب. فالهداية ليست هدية، وإنما هي غاية، تسعى لها حتى تحصل عليها، لا أن تقعد تنتظرها، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.

الهداية مثل الرزق، يجب أن تسعى لها لتنالها، من حقك أن تستفسر، ولكن ابحث عن الجواب، ولا تكن مثل المُشكِّكين الذين يرمون المسامير أمام السيارات، هدفهم فقط التخريب، كن بانياً وجِد طريقك لأنه لن يرشدك سِواك إلى ما فيه صلاحك. تفكَّر في خلق الله، افتح قلبك لله، لا تجعل قلبك وكراً للمعاصي، وإن كانت موجودة فزاحمها بالطاعات، لن تستطيع أن تطرد المعاصي وحُبَّ الإثم من قلبك دفعةً واحدة، ولكن لا تجعل قلبك مريضاً بها، أدخِل الطاعات إلى قلبك تِباعاً، أحِب دينك وحاول أن تتقرَّب إلى الله سبحانه وتعالى؛ وستجده يتقرَّب منك بدوره، ولا خير خاتمة من قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي (إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا ، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ، وَإِنْ هَرْوَلَ سَعَيْتُ إِلَيْهِ ، وَأَنَا أَسْرَعُ بِالْمَغْفِرَةِ).

المقالات المتعلقة بكيف يهدي الله قوما