عندما شُرِعَت الصّلاة كان من الضروريّ جَمع النّاس لها، وكان الصّحابة لا يجدون طريقةً لجمع النّاس من خلالها؛ فعند اليهود تُقرع النّواقيس للإخبار عن الصّلوات وجمع النّاس، وعند المسيحيّة تَقرَع الكنيسة أجراسها للإعلان عن الأمور الهامّة، كالاجتماعات، والصّلوات، والاحتفالات، والأعياد، والمُناسبات الدينيّة وغير ذلك، إلا أنّ الإسلام جاء بكل ما يُخالف تلك العادات والأعراف، فكان من الضروريّ إيجاد طريقةٍ جديدة يُدعَى المسلمون من خلالها للصّلاة والاجتماع عند الضّرورة، حتى جاء أمر الله عزَّ وجل، وجاءت البشارة على شكل رُؤيا رآها الصحابيّ الجليل أبو عبدالله بن زيد -رضي الله عنه- حيث يقول: (لمَّا أمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم بالنَّاقوسِ يُعمَلُ ليُضربُ به للنَّاسِ لجمعِ الصَّلاةِ طاف بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمِلُ ناقوسًا في يدِه فقلتُ: يا عبدَ اللهِ أتبيعُ النَّاقوسَ؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلتُ: ندعو إلى الصَّلاةِ، قال: أفلا أدُلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلَى، قال: فقال: تقولُ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، قال: ثمَّ استأخر عنِّي غيرَ بعيدٍ ثمَّ قال: ثمَّ تقولُ إذا أقمتَ الصَّلاةَ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، قد قامت الصَّلاةُ، قد قامت الصَّلاةُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم فأخبرتُه بما رأيتُ فقال: إنَّها لرؤيا حقٍّ إن شاء اللهُ، فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليه ما رأيتَ فليُؤذِّنْ به فإنَّه أندَى صوتًا منك، فقمتُ مع بلالٍ فجعلتُ أُلقيه عليه ويُؤذِّنُ به، قال: فسمِع ذلك عمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه وهو في بيتِه، فخرج يجُرُّ رداءَه يقولُ: والَّذي بعثك بالحقِّ يا رسولَ اللهِ لقد رأيتُ مثلَ ما أُرِي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم فللَّهِ الحمدُ).[١]
معنى كل من الأذان والإقامةذهب الفقهاء في حكم الإقامة من حيث التكليف إلى قولين:
شُرِع الأذان للإعلام بدخول وقت الصّلاة، فلا بد من وجود وقت يتّسع الاستعداد للصّلاة وحضورها، وإلا لذهبت فائدة النداء، وفُوِّتَت صلاة الجماعة؛ فمن النّاس من يكون على طعامه أو شرابه، أو يقضي حاجته، أو يكون غير متوضّئ وقت النّداء للصّلاة؛ فإذا قام يتوضّأ فاتته الجماعة إذا لم يكن هناك فصل بين الأذان والإقامة. وقد روى عبد الله بن مغفل عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: (بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بَينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، لمن شاءَ)،[١٣] والمقصود بالأذانين هنا الأذان والإقامة، ولا شك أن التمهّل بين الأذان والإقامة يُساعد على البِرّ والتّقوى المُستحبّين والمندوب إليهما.
كيفيّة إقامة الصّلاةإنَّ الأذان الذي استمرّ عليه الصحابيّ الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه بين يدي رسول الله عليه الصّلاة والسّلام هو ما ثَبَت من حديث عبد الله بن زيد بن عبد، وصِفَتُه: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله)،[١٤] والإقامة أيضاً في نفس هذا الحديث: (الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاةُ، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله)،[١٤] فيكون أذان بلال بوجود النبيّ عليه الصّلاة والسّلام خمس عشرة جملة، والإقامة إحدى عشرة جملة، ومّما يُؤكّد ذلك حديث أنس -رضي الله عنه- قال: (أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان ويُوتر الإقامة، إلا الإقامة)،[١٥] والمقصود أن يأتي بألفاظ الأذان مرتين مرتين لكل لفظة، أو أربعاً أربعاً لكل واحدة، ويُشتَرط في ذلك كونها شفعاً زوجيّةً، فشَفْعُ التّكبير في أول الأذان يعني أن يُلفَظ التّكبير أربع مرّات، أمّا شَفع غيره فيُشتَرط أن يأتي به مرّتين مرتين لكل لفظة، وهذا بالنّظر إلى الأغلب، وإلا فإنّ كلمة التّوحيد -لا إله إلا الله- التي في آخر الأذان، وفي آخر الإقامة مُفردةً بالاتّفاق، فتُذكَر مرّةً واحدةً فقط، والتّكبير في الإقامة وتر بالنسبّة إلى التّكبير الرباعيّ في الأذان، وكذلك يُكَرَّر في آخر الإقامة، ويُكرَّر لفظ الإقامة، وتُفرَد بقيّة الألفاظ حال الإقامة.
المراجعالمقالات المتعلقة بكيف تقيم الصلاة