من متطلّبات الإيمان بالله تعالى أن يؤمن المسلم بمسألة القضاء والقدر، فلا يكتمل إيمان المسلم ما لم يؤمن به خيره وشره، وقد عرّف العلماء القدر بأنّه كلّ ما قدّره الله سبحانه وتعالى من أمور الخلق في علمه الأزليّ، أمّا القضاء فهو يتعلّق بحكم الله سبحانه وأمره في الواقع حيث يقول للشّيء كن فيكون.
لا شكّ بأنّ القدر له مراتب يجب على المسلم أن يؤمن بها جميعاً وهي مراتب أربعة أّوّلها مرتبة العلم حيث إنّ الله تعالى عالمٌ بكلّ شيء في الكون علماً أزليًّا حيث لا يعزب عنه سبحانه أو يغيب علم شيءٍ في الأرض ولا في السّموات، ثمّ هناك مرتبة الكتابة حيث يكتب الله سبحانه مقادير الخلق وكلّ ما هو كائن، وفي الحديث الشّريف أنّ أوّل ما خلقه الله سبحانه القلم فقال له اكتب، قال ما أكتب؟، قال اكتب ما هو كائن إلى قيام السّاعة، كما أنّ الإنسان حينما يكون نطفة في بطن أمّه أربعين يوماً ثمّ علقة مثل ذلك ثمّ مضغة مثل ذلك ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الرّوح ثمّ يكتب رزقه أو أجله وشقيّ أو سعيد، ثمّ تأتي مرتبة المشيئة كإحدى مراتب الإيمان بالقدر حيث شاء الله تعالى ما يحدث في الكون من أمور وأحداث وأرادها إرادة كونيّة قدريّة وإرادة شرعيّة، فالإرادة الكونيّة هي أنّ الله تعالى أراد كلّ شيءٍ إرادة كونيّة ومن ذلك ما نهي الله عنه وما ذمّه وغير ذلك، وهناك الإرادة الشّرعيّة وهي تتعلّق بما يحبّه الله تعالى أن يؤتى من قبل العباد من العمل الطّيب والخير، قال تعالى "والله يريد أن يتوب عليكم "، وأخيراً هناك مرتبة الخلق حيث يخلق الله تعالى ويوجد ما قدره وشاءه من أفعال العباد وأمور الخلق وغير ذلك.
إنّ الإيمان بالقضاء والقدر له آثار عجيبة في حياة المسلم تجعله مطمئناً لحكم الله تعالى وقضائه في الأمر كلّه، وبالتّالي لا ينشغل المسلم ولا يقلق للأمور الغيبيّة لإعتقاده بمعيّة الله سبحانه وحفظه وأن لن يصيبه إلا ما كتبه الله تعالى عليه، وفي الكلمات النّبويّة الرّائعة التي علّمها النّبي عليه الصّلاة والسّلام لابن عباس خير منهج يسير عليه المسلم في حياته حين قال له: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك "، وكذلك الحال مع النّفع، وختم الحديث بقوله عليه الصّلاة والسّلام: " رُفعت الأقلام وجفّت الصّحف ".
الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان .. ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطؤه .. وما أخطأه لم يكن ليصيبه .. وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه .. ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر/49 .
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد . والصبر صفة كريمة .. وعاقبته حميدة . والصابرون يأخذون أجرهم بغير حساب كما قال سبحانه : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر / 10.
وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض , أو في النفس , أو في المال, أو في الأهل , أو في غير ذلك .. فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه .. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ) الحديد/22.
وما يصيب الإنسان من المصائب فهي خير له , علم ذلك أو لم يعلم لأن الله لا يقضي قضاءً إلا هو خير كما قال سبحانه ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) التوبة/51 .
وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله ومن يؤمن بالله ولو شاء ما وقعت .. ولكن الله أذن بها وقدرها فوقعت كما قال سبحانه : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ) التغابن/11.
وإذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره .. فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر.. والصبر جزاؤه الجنة كما قال سبحانه : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً ) الإنسان/12.
والدعوة إلى الله رسالة عظيمة .. يتعرض من يقوم بها لكثير من الأذى والمصائب .. لذا أمر الله رسوله بالصبر كغيره من الأنبياء فقال ( فاصبر كما صبر ألوا العزم من الرسل ) الأحقاف/35.
وقد أرشد الله المؤمنين .. إذا حزبهم أمر .. أو وقعت لهم مصيبة أن يستعينوا على ذلك بالصبر , والصلاة , ليكشف الله همهم .. ويُعجل بفرجهم .. ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) البقرة / 153.
ويجب على المؤمن الصبر على أقدار الله .. والصبر على طاعة الله .. والصبر عن معاص الله .. ومن صبر أعطاه الله الأجر يوم القيامة بغير حساب كما قال سبحانه : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الزمر / 10 .
والمؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء .. قال عليه الصلاة والسلام .. ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم برقم 2999.
وقد أرشدنا الله إلى ما نقوله عند المصيبة .. وبين أن للصابرين مقاماً كريماً عند ربهم فقال : ( وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) البقرة /155-157 .
المقالات المتعلقة بكيف أؤمن بالقضاء والقدر