الصّلاةُ وجمعُها صلوات مصدرٌ من الجذرِ اللغويِّ صلا وتعني الدّعاءُ،[١] وهي ثاني أركانِ الإسلامِ بعدَ الشّهادتين، يقولُ تعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً)،[٢] وقد شرعَ اللهُ -عزّ وجلّ- الصّلاة مع بيان كيفيّتها عن طريقِ أحاديثِ النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وثبتَ أنّ لكل صلاةٍ عددٌ مُعيّنٌ من الرّكعاتِ، ولأنّ الإسلام دينُ تيسيرٍ لا تعسير وهذه أسمى مقاصدهِ، فقد شُرِعَ للمسافر قصرُ الصّلاةِ بحيث تصير ركعاتها أقلّ عدداً تخفيفاً لمشقّة السّفر عنهُ.[٣]
معنى قصر الصّلاة وحكمهيَدلّ مفهومُ قصر الصّلاةِ على جعلِ الصّلاةِ الرباعيّةِ صلاةً ثنائيّةً، أي أنّ الصّلاةَ التي تتكوّن من أربعِ ركعاتٍ تُصلّى ركعتين فقط.[٤]
يُعدّ قصرُ الصّلاةِ للمُسافرِ من السُّننِ المُؤكّدةِ عن الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- كما يرى ذلك الحنفيّةُ والمالكيّةُ، أما الشافعيّةُ والحنابلةُ فيَرَون جوازَ إتمامِ الصّلاةِ، وكان الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- يقصرُ في الصّلاة في جميع أسفاره ولم يثبت عنه -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه أتمّ الصّلاة في السّفر.[٥]
صلاة الجماعة واجبةٌ على كلّ مُسافرٍ كما المُقيم، فليس له أن يترك صلاة الجماعة حتّى يُصلّي قصراً، فإن كان من يَؤمُّ صلاة المُسافر رجل مُقيم فعلى المُسافر أن يُتِمّ صلاته دون قصر، أمّا إن كان هو إماماً فله أن يقصر فيُصلّي ركعتين وعلى النّاس أن يُتِمّوا أربعاً، لذا يجب أن يُخبر المُصلّين قبل تكبيرة الإحرام.[٦]
ورد في السُنّة النبويّة عن عبد الله بن عمر أنّه قال: (صَحِبتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السفَرِ على ركعتَينِ، وأبا بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلك رضي اللهُ عنهم).[٧]
كيف يكون قصر الصّلاة في السّفريُشار أنّ القصر يكونُ لكلّ من صلاة الظّهر والعصر والعشاء ولا يجوز القصر في صلاتَي الفجر والمغرب، ويكون ذلك بصلاةِ كلّ منها ركعتين فقط بدلاً من أربع ركعات.[٨]
يُذكَر عن ابن القيم -رحمه الله- أنّ الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- كان إذا خرج من المدينة المنوّرة مُسافراً صلّى الصّلاة الرُباعيّة ركعتين حتّى يعود إلى دياره، ولم يثبت أنّه -عليه الصّلاة والسّلام- أتمّ الصّلاة وصلاها أربعاً.[٩]
شروط القصرهناك شروط يجب توافرها حتّى يجوز القصر للمُسافر وهي:[١٠]
الجمعُ هو أن يُصلّي المُسافرُ صلاتين في وقت صلاةٍ واحدةٍ تقديماً؛ أي في وقت الأولى منهما، أو تأخيراً؛ ويكون في وقت الثّانيةِ منهما، ويكون ذلك لكلٍّ من صلاتَي الظّهر والعصر، وصلاتَي المغرب والعشاء، ولا تُجمَع صلاة الفجر مع أيّ صلاةٍ أُخرى.[١١]
حكم الجمع بين الصّلوات بالنّسبة للمُسافرِ جائزٌ عند الفقهاء إلا عند الحنفيّة،[١١] وقال بعدم الجواز أيضاً جماعةٌ من التّابعين، كالحسنِ البصريّ وابن سيرين.[١٢] وهو جائزٌ عند الشافعيّةِ والحنابلةِ ولكنّهم اشترطوا لذلك أن يكون سفراً طويلاً، أمّا المالكيّة فيرون جواز الجمع في السّفر دون هذا الشّرط، ويجوز عندهم الجمعُ إن طالت مسافةُ السّفر أو قَصُرَت.[١٢]
يكون الجمع والقصر في صلاة الظّهر والعصر مثلاً؛ حيث تُصلّى صلاة الظّهر ركعتين ثم يُسلّم ويُصلّي ركعتين للعصر، ثم يُسلّم. وتُجزئ إقامة واحدة للصّلاتين ولكن يُندَب أن يكون لكلّ صلاةٍ منهما إقامةٌ مُنفصلةٌ، وتكون الصّلاتان مُتتاليتين؛ فلا يجوز ترك فاصلٍ طويل بينهما، وكذلك المغرب والعشاء؛ المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين.[١٣]
مسافة السّفر التي يجوز عندها القصر والجمعحتّى يجوز قصر الصّلوات في السّفر يجب أن تُقطَع المسافة التي تُجيز ذلك شرعاً، وتفاوت العلماء في آرائهم ضمن هذه المسألة، وقد ورد عن ابن تيمية -رحمه الله- أن حدّها هو ما سُمّي سفراً في عُرف النّاس بغض النّظر عن المَسافة المقطوعة، ويُذكر هنا أنّ بداية حساب المسافة يكون بعد مُجاوزة البلد الذي يسكن فيه المُسافر لا من بيته.[١٤]
يجوز القصر والجمع في الصّلاة للمُسافر طوال الطّريق وإن وصل البلدة المقصودة ونوى الإقامة فيها أربعة أيام فأقل فيجوز له ذلك أيضاً، فإن كان أكثر من ذلك أو له زوجةٌ في هذه البلدة فلا يقصر ولا يجمع،[١٥] ويُذكر هنا قولٌ يُقدِّرُ مسافة السّفر بما يُقارب 81 كيلو متر، وهذا هو مذهب الشافعيّة.[١٦]
أمّا المالكيّة فيرون أنّ مسافة القصر تُقدَّر بما يقارب 83 كيلومتر،[١٧] وأمّا مذهب الحنفيّة ففيه أنّ مسافة القصر هي ما يُساوي مسيرة ثلاث ليالٍ، وظهر الخلاف في تقدير مسيرتها.[١٨]
دعاء السّفرللّسفر كما لكلّ أفعال المُسلم آدابٌ تُحيط به وتُنظّمه، وقد ورد عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- دعاء كان يقوله إذا ركب دابّته ناوياً السّفر، لذا فقوله من السُنّة، فكان يقول: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ في سفَرِنا هذا البرَّ والتَّقوى ومنِ العملِ ما ترضى اللَّهمَّ هوِّن علينا سفرَنا هذا اللَّهمَّ اطوِ لنا البعدَ اللَّهمَّ أنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ والخليفةُ في الأَهلِ والمالِ. وإذا رجعَ قالَهنَّ وزادَ فيهنَّ آيبونَ تائبونَ عابِدونَ لربِّنا حامِدونَ ...).[١٩][٢٠]
أحكام أخرى تخصّ المُسافرفي السّفر مشقةٌ تقع على الإنسان، لذلك هناك بعض الأحكامِ الخاصّةِ التي تتغيّر فيه، كجواز قصر الصّلاة، وتكون بعض هذه الأحكام تخفيفاً لمشقّة السّفر على المُسافر، ومنها:
المقالات المتعلقة بكيفية قصر الصلاة في السفر