حفظ القرآن الكريم مِن أجمَلِ ما قَد تَفعلهُ فِي حياتك هُوَ أن تبادر فِي حفظِ آيات الله تعالى وتتدبّر آياتِ الله، ولا يَشتَرِطُ أن تَحفَظَ القرآن الكريم بأكمَلِهِ، ولكن السّيرُ على طَريقِ حِفظِ القرآنِ الكريم والالتزامِ بآياتِ الله تعالى بالأمورِ التي أمرنا الله بِها والابتعادِ عَن النّواهي هِيَ أعظمُ شيءٍ قَد تتخيّلهُ فِي هذِهِ الحياة؛ لأنّ الشّخصَ العظيم هُوَ الذي يسعى لتحسينِ نَفسِهِ فِي كُلّ يوم، وحتّى يضمَنَ الدنيا والآخرة مَع بَعضِهما.
وعليك أيها القارئ أن تلتزم بكتابِ الله، وأن تجعَلهُ صَديقاً لكَ؛ لأنّه سيفتحُ عليكَ جَميعُ أمورِ الحياة، فَقَد قال الله تعالى : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق : (2- 3) ، وَسَنَتَعَلّم قواعِدَ وَطُرُقِ حِفظِ القرآنِ الكريم.
قواعِد حِفظِ القُرآنِ الكَريم - الإخلاص : النيّة الصّادِقَة هِيَ أساسُ قُبولِ الأعمالِ عِندَ الله تعالى، فَعَن أميرُ المُؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه ، قال : سَمعتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُول : ( إنّما الأعمالُ بالنيّات ، وإنّما لِكُلّ امريءٍ مانَوى ، فَمَن كانَت هِجرَتَهُ إلى الله ورسوله ، فَهِجرَتَهُ إلى الله ورسوله ، وَمَن كانَت هِجرَتَهُ لِدُنيا يُصيبها ، أو امرأةٍ يَنكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، فأي عَمَل خيّر تُريدُ أن تَفعَلَهُ فِي حَياتك اجعلهُ خالصاً إلى الله تعالى فِي العَمَل وتعامُلُكَ مَعَ الآخرين وَعِندَ حِفظِ القرآن، وما أجمَلَ الحياة التي تكون كُلّها لله تعالى رِيحُها طَيّب وَحياةٍ طَيّبة ومماتٍ طَيّب، وإيّاكَ أن تَكونَ أعمالُكَ جَميعُها فَقَط للرياء وللسُمعَةِ؛ لأنّ كَلامِ النَاس لا فَائِدَةٌ مِنهُ إذا ذكروكَ بالخير ونيّتكَ غَير صادِقَة وغير مخلص مع الله، وسوفَ تَذهَبُ أعمالِكَ سُدى، وَثِق تَماماً بأنّ الله تعالى هُوَ أحرَصُ عَليكَ مِن جَميعِ النّاس، وَسَتُعَلّمُكَ الحياةُ دَرساً أن لا تَثِقَ بأحَدٍ سِوى الله تعالى، فَكُن مَعَ الله ولا تبالي واخلص النيّةُ لهُ.
- الاستعانَةِ بالله تعالى: عِندَما تُقدِم على حِفظِ القرآن الكريم استَعِن بالله واطلُب أن يُعينَكَ اللهُ على حِفظِهِ وَتَدبّرِ آياتهِ، واجعَل حِفظِ القرآن الكريم طَريقَةٍ وَوسيلة للتَقَرّبِ إلى الله تعالى، فَفِي صَلاتِكَ وأنتَ ساجِدٌ بَينَ يَديّ الله لا تنسى نفسكَ مِنَ الدعاء لأنّكَ أقرب ما يكون لله وأنت ساجدٌ له، فَكَم مِن مَصائِبٍ وغَصّاتِ قلبٍ ذَهَبَت عِندَ السّجود مِن وراءِ دَعوَةٍ صادقة من قلب صادق، فإذا نويت أن تسير على طريقِ حفظِ القرآن ادعُو الله وَهُوَ سَيُسَهّل الحِفظَ عليك.
- الاستغفار : إنّ الله تعالى لَم يَترِكَ للمُسلمين سوى الصّدقةِ والاستغفارِ التي تُطفئُ غَضَبِ الله تعالى، فإن أردتَ أن يوسعَ الله عليكَ مِن الرزق والصحّة عليكَ بالصدقة، وإن أردتَ أن يُعِينُكَ الله على أخطائِكَ وَمَعاصيك فاطلُب الاستغفار؛ لأنّ حِفظِ القُرآن الكريم يَتَطلّب عَدَم ارتكابِ المَعاصي، وأن يَمحُو الله أخطاءكَ السابقة كأن تبدأ صفحة جديدة مَعَ الله، وتكون صفحَةٌ نيّتها ووجهتها إرضاءُ الله تعالى، فدائماً التزم الاستغفار وعلى قدرِ ذكركَ لله تعالى سيتذكّرك وسيعينكَ على جميعِ أمور الحياة وعلى حفظِ القرآن.
- غَضّ البصر وعدَم سماعِ المحرّمات: أناقَةِ الرّجُل والمَرأة تَبدأ مِن غَضّ البَصَر؛ لأنّ النَظر إلى مَعاصِي تُميتُ القلب والعَقل وتقتل الحِكمَة، فَعِندَما تَنظُر إلى مَعاصِي الله سواء كان للمحرّمات أو النظر للجنسِ الآخر هُوَ أمرٌ لَن يُساعِدكَ على حفظِ القرآن الكريم، فَنَحنُ فِي زمَنٍ كَثُرَت فِيهِ الفِتَن، وَسَبَب سوءِ أحوالنا هِيَ المعاصي التي نرتكبها ونراها صَغيرَةٌ ولكِنّها عِندَ الله كبيرة، فَمِن الصّعبِ بَل مِنَ المُستَحيل أن تَحفَظَ جُزءً مِن القرآن الكريم وأنتَ تستمع مثلاً إلى الأغاني؛ فالتناقُض مَرفُوض وَخصوصاً عِندَ عِبادَةِ الله تعالى، وَحفظِ القرآن يحتاجُ مِنكَ أن تُفطر قلبكَ عَن حُبّ الشهوات، وأن تَغُضّ البصر والسمع عَنِ المَعاصي، واصبر على تلكَ المحرّمات وسيعوّضكَ الله بالحلال فمن تركَ شيئاً لله عوّضهُ خيراً منهُ.
- الإرادَةِ والعَزِيمَة: لا يُمكن أن يتم إنجازُ الأمُورِ العَظيمة كَحفظِ القرآن سِوى بِوُجُودِ الإرادَةِ والعزيمة وَعَدَم التَكاسُل أو وجودِ تَرَدّدٍ بِداخلِكَ على حِفظِ القُرآن، فعندَما تَنوِي على حِفظِ القرآن الكريم ابدأ بحفظهِ وأيّ عَمَل سَيَكُونُ فِي البِدايَةِ صَعباً ولكِن مَع مُرورِ الوَقت سَيُسَهّلها عَليكَ الله، ولو سألتَ حَفَظَتِ القرآن لقالوا لكَ لَم أعرف كيف حفظتَ القرآن لأنّ الله أعانهم على حِفظهِ، وهل تُريدُ أفضل مِن أن يكونَ الله معك وهو خالقُ البشر!!.
- فهمُ الآيات: لا فائِدَةٍ مِن حِفظِ القُرآنِ الكَريم مِن دُونِ دراسةِ القرآن وتدبّرِ معاني الآيات، قُم بدراسةِ الآيات وافهَم المواضيع وعمّا يتحدّثهُ الله مِن قِصَص وَعِبر؛ فَهِيَ طَريقَةٌ جَيّدة تُساعِدُكَ على حِفظِ القرآن، وإنّ فَهمُ آياتِ الله أهمّ بكثير مِن حِفظِ القرآن الكريم لأنّ الله تعالى قال : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) الفرقان : 73، فَلا تَمُرّ على آياتِ الله مُرورَ الكِرام وتعلّم من علومِ الله.
طريقةِ حِفظِ القرآن بسهولة بعد أن تتّبع قواعِدِ حِفظِ القرآن بَل هِيَ قَواعِدَ لحياتِكَ بأكمَلِها يُصبح حفظُ آياتِ الله مِن أبسط وأسهلِ الأمور فِي حياتك، فَقُم بتغييرِ حَياتك واجعَل مَبادِئُكَ على رأسها مَخافةُ الله والسعي لرضاه مِن خلالِ حفظِ القرآن الكريم.
- البِدء مِن الجزء الأخير مِنَ القرآن: الجزءُ الأخير مِنَ القرآن هُوَ جُزءُ عَمّ (الجُزء الثلاثين) فيهِ الآيات الصغيرة والبسيطة والتي يَسهُلُ حِفظها، وأيّ شَخص يَستَطيعُ أن يَحفَظَ جُزُء عَمّ، فَبِهذِهِ الطَريقة أنتَ تقوم بحفظِ السُور الصَغيرة وَمِن بَعدِها الأكبر وهكذا، فهذِهِ أفضلُ طريقة تبدأ فيها حِفظُ القرآن الكريم.
- حفظُ القرآن وَقتِ البَكور: البكور هِيَ الساعات الفَجِر المُبكّرة؛ حَيثُ تعتَبَر هذِهِ الساعات مِن أفضَلِ الأوقات التي مُمكِن أن تَحفَظَ فِيها آياتِ الله تعالى، لأنّ العقلَ يَكونُ بِكامِلِ نَشاطِهِ وبأفضَلِ حالاته، والآيات التي يحفظها الإنسان خلالَ وقتِ البكور تبقى فِي الذاكرة لفترة أطول مِن الأوقات التي تحفظَ فِيها بالساعاتِ الأخرى، فاحرص دائماً على اختيار الأوقات المناسبة والتي تجد فِيها أفضلِ حالاتك ونشاطكَ وقدرتكَ على حفظِ آياتِ الله.
- التخطيط: بَعدَ أن تُحَدّد الآيات أو السور التي تريد أن تحفظها خلال فترةٍ مُعيّنة كأن تَضَعَ جَدوَلاً زَمَنِيّاً لِحفِظِ الآيات، وَيَجِب أن تلتزمَ بالجدول الذي تضعهُ لنفسك، فبهذِهِ الطريقة تساعد نفسكَ على الالتزام، وتقوّي الإرادة بداخلك، وتقوم على حفظِ الكثير مِنَ الآيات، فالتخطيطُ الجَيّد هُوَ أساسُ نَجاحِ أيّ عَمَل فِي حَياتك.
- قراءةِ الآيات التي حَفِظتها فِي صلاتك: وأنتَ تَقُومُ بالصّلاة دائِماً قُم بترديدِ الآيات التي حَفِظتها بالأحدَثِ حَتّى الأقدَم، فهذِهِ طَريقَةٍ تُساعدكَ على ترسيخِ الآياتِ بالعقل والترديدُ المُستَمِر للآيات التي حَفِظتها تَجعلُها أكثرَ صلابةٍ وعدم نسيانها مَع مُرورِ الأيّام.
- تحديدُ يَومِ لِمُراجَعةِ جميعُ السور التي حَفِظتها: بعدَ أن تَقومَ بِحفظِ جزء كامل مِنَ القرآن الكريم ضَع يوماً واحداً تَقومُ على مُراجَعَةِ الآيات التي حَفِظتها وتجعَلُ شخصاً آخر يَستَمِع للآيات ويصحّح أخطائكَ، فَهذِهِ الطَريقة تَجعَلُكَ مُتَمَكّناً مِن الأجزاء التي حفظتها وأكثر طمأنينة عِندَما تَقُومُ بِحفظِ الأجزاء التي تليها.
- ربطِ الآياتِ مَع بعضها البعض: يَجِب أن تَجِدَ طَريقَةً تَجِدها مُناسبة تساعِدُكَ على حِفظِ الآيات وتربُطها مَع بَعضِها البعض، وطريقَةِ الربط تختلفُ مِن شخصٍ إلى آخر، فَمِنَ المُمكِن أن تَربُطَ الآيات بِقَصّة أو بمكان أو بزمن أو بِحَدَث يَجعَلُكَ أكثرَ قُدرَةٍ على حفظِ الآيات، وإذا كانَت نيّتكَ على حفظِ القرآن بادِر مِن الآن ولا تتردّد، واجعلها خالصةً لله، والله هو الذي سيكافئكَ على حفظهِ بالدنيا والآخرة، وأتمنّى لي ولكُم الجنّة واللقاءِ بالفردَوسِ الأعلى مَعَ الأنبياءِ والصّالِحين.