لقد جاء الإسلام مشرعًا للناس طرق وأساليب حياتهم، ووضع لهم القوانين، والقواعد، والحدود، وفرض الفرائض، ونهى عن المنكرات، وجعل لكل منكر وذنب عقوبة يتلقاها في الدنيا؛ كي يكون عبرة لغيره، خاصة إذا كان الخطأ كبيرا، وإذا كان في حق العباد، لأن الله سبحانه لا يقبل أن تنتهك الأعراض، والأراوح، والأموال، ويظل الحساب فقط إلى يوم القيامة.
لأنه إذا لم تكمن هناك شرعة في الأرض تقيم الحدود، والعقوبات على من أذنب بحق عبد من عباد الله، فإن ذلك مدعاة لانتشار الجرائم والمشكلات، ومدعاة إلى الابتعاد عن دين الله عز وجل، وتشويه سمعة الاسلام بأنه يحتوي على جرائم، ولا يعاقب عليها.
لذلك كانت العقوبات في الاسلام كما قانون العقوبات في الدستور الدنيوي، وقد شرّع الله بحكمته عقوبة تكافئ الخطيئة التي تم اقترافها، عقوبة تمحي أثر الخطأ، وتصلح مابين العباد.
تتعدد الخطايا التي تمس البشر، منها ما يتعرض لمالهم ، ومنها ما يتعرض لأعراضهم أو أرواحهم، وكل خطيئة لها حكمها وقصاصها الخاص بها.
إن من أعظم الجرائم، والخطايا الكبيرة هي القتل، القتل هو ازهاق روح، تلك الروح التي أودعها الله في الارض، وعاشت في رحم والدتها، ثم خرجت للدنيا ليتم إزهاقها، إن ذلك لجرم عظيم، ولا يوجد عقاب منصف للقاتل كما أنصفته شريعة الإسلام العظيم.
فقد فصل الاسلام أنواع القتل حسب نية القاتل إلى القتل العمد، والقتل الغير العمد، وعلى ذلك يختلف الحكم، فالقتل العمد حكمه القصاص بالقتل فمن لم يراعي حدود الله في أرواح البشر، وجعل البشر لعبة بين يديه يزهق أرواحهم، وكأنه أعلى منهم يستحق القتل بما اقترف.
أما من قتل عن طريق الخطأ، وفيها الكثير من القصص،فالقتل خطأ في حادث سير، أو القتل خطأ لحادثة غير متعمدة، كل شيء له حسبان خاص، وذلك لكي يأخذ كل شخص حذره فالسائق مثلا يجب أن يقود السيارة وهو متعب أو نعسان ، وأن لا يقودها بسرعة فكل هذه الأساب تزيد من احتمالية زهق الأرواح.
والذي يعمل في مصنع كيماوي يجب أن ياخذ حذره من دخول أحد غير العاملين للمصنع حتى لا يضره شي، ويأخذ حذره في أن لا تتشابه منتجات المصنع مع شيء آخر قد يصلح للأكل مثلا.
الوالدين يجب عليهم ان يأمنوا مداخل البيت ، ووضع الحديد الواقع على النوافذ كي لا يسقط أبناؤهم من اعلى وتزهق أرواحهم.
بعد الأخذ بكل الاسباب تحدث الأخطاء، ويحث أن يقتل شخص خطأ، وهذا حكمه موضح بالآية الكريمة "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً"
فهناك خياران معتمدان على حسب المقدرة ، فالكفارة الأولى هي تحرير رقبة مؤمنة، وهي كدليل واضح أنه كما أزهقت روح يجب أن ترى روحًا أخرى النور، وتمارس حياتها بكرامة، فمن لم يجد فعليه أن يصوم الشهرين المتتابعين ، ستين يوما متواصلة دون انقطاع الا بعذر كمرض، او جنون، أو حيض.
فإذا انقطع من غير سبب ، وجب عليه أن يعود للعد للشهرين من الأول ، وهذه كفارة قوية تجعل الجميع يحرص كل الحرص على أن لا يكون له يد في قتل عمد، و أن يأخذ حذره من ان يقع في قتل خطأ.
المقالات المتعلقة بصيام شهرين متتابعين