سيدنا إبراهيم أثنى الله سبحانه وتعالى على نبيه إبراهيم عليه السلام في كثير من الآيات، وعدّد الكثير من صفاته وفضائله التي أهّلته لأن يكون خليل الرحمن، وأمر الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة ابراهيم في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 123]، كما أمر سبحانه عباده جميعاً باتباع تلك الملة في قوله: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران: 95].
صفات ابراهيم - كان أُمّة أي جامعاً للخير وإماماً يُقتدى به في الطاعات، حيث تحلى إبراهيم عليه السلام بصفات في نفسه، وثانية في بيته، وثالثة في مجتمعه، وكل هذه الصفات استحق من أجلها هذا الوصف الجامع من الله تعالى لكماله في صفات الخير فكان وحدة كأمة من الأمم (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) [النحل: 120].
- كان قانتاً لله مُطيعاً ومخلصاً عمله لله، وحنيفاً مقبلاً على الدين الحقّ ومعرضاً عن الأديان الباطلة، فقد قال تعالى: (قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: 120]، فالقانت هو: الخاشع المطيع لله والقائم بأمره تعالى على كلّ أحواله، والحنيف هو: المُنحرف قصداً من الشرك إلى التوحيد، والمائل إلى ملّة الإسلام ميلاً لا يزول عنه.
- مُنزّه عن الشرك في الصغر والكبر، حيث لم يك يوماً من المشركين وهو بريء منهم ومن دينهم (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:120]، فقد تبرأ من المشركين لغاية تحقيق التوحيد، وقد تبرّأ لأجل ذلك من أقرب الناس إليه وهو أبيه، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم: 41] إلى أن انتهت المحاورة بقوله: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا) [مريم: 49]، ومن تعمّق في علم القرآن أيقن أن إبراهيم عليه السلام كان غارقاً في بحر التوحيد.
- شاكراً لنعم الله وفضله(شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ) [النحل: 120]، وقد روي عن سيدنا إبراهيم عليه السلام أنّه كان محبّاً للعطاء ومضيافاً ولا يتغدّى إلا بوجود ضيف، وفي أحد الأيام لم يجد ضيفاً فأخّر غداءه فإذ بقوم من الملائكة على هيئة بشر، فأخذ يدعوهم إلى الطعام فأظهروا له أنّهم يشتكون من علة الجذام، فقال: "الآن يجب علي مؤاكلتكم، فلولا عزتكم على الله تعالى لما ابتلاكم بهذا البلاء!".ويظهر ذلك في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود: 69].
- كان أوّاهاً أي رقيق القلب، يكثر من التأوه والدعاء، ويظهر هذا المعنى في إفراد إبراهيم عليه السلام ربّه في الدعاء، وخوفه منه وخشوعه، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]، فقد احتج عليه السلام على المشركين بأن البلد الحرام أي مكة ما وضعت إلا لعبادة الله وحده لا شريك له، ثم دعا ربه تعالى قائلاً: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)، وقد استجاب تعالى له؛ فقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً) [العنكبوت: 67].وكان منيباً أي يعود سريعاً إلى ربّه، وحليماً يصبر على المصيبة ويتأنّى في حكمه، قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 114] ، وفي آية أخرى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود:75]، وقال ابن مسعود: الأوَّاه هو الدَّعَّاء، وقال ابن جرير: "قال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال:المُتضرِّع".
- كان يتحلّى بالصدق في كلامه، فقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) [مريم: 41].
- اتصف بالوفاء والإخلاص، فكان ممن حمّلهم الله الرسالة والميثاق في إقامة الدين، فقد قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب: 7]، وعن وفائه عليه السلام بالعهد، قال تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37].