محمد صلى الله عليه وسلم خصَّ الله سبحانه وتعالى نبيَّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم بأفضل الصفات الخَلقية والخُلُقية، فما من أحدٍ قابله إلا وأحبَّه لهذه الصِّفات الطَّيِّبة التي لم توجد بأحدٍ من خلقِ الله سبحانه وتعالى، ولأنه من الواجب معرفة النبيِّ عليه الصلاة والسلام باعتبارها ركيزة من ركائز الأصول الثلاثة، سنضع بين أيديكم صفات النبيِّ عليه الصلاة والسلام؛ حيث إنّ هذه الصِّفات من طُرُق المعرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى نقتدي به في تعامله مع أهله، وأصحابه، وأعدائه، وجيرانه، ونصبح على أكمل وجهٍ في طاعتنا لله ولرسوله.
الصِّفات الخَلْقية
- جسده: كان عليه الصلاة والسلام ليس بالطويل البائن، أي ليس بالطويل طولاً ظاهراً، ولا القصير، وكذلك كان مربوعاً، بعيد ما بين المنكبين، وكان شثن الكفَّين والقدمين، أي عظيم الأصابع غليظها في اليدين والقدمين، وكان ضخم الرأس، والكراديس (رؤوس العظام)؛ حيث إنّه إذا مشى تكفَّأ تكفُّؤاً كأنَّما ينحطُّ من صَبَبٍ، وكان أيضاً عظيم الفم، وطويل شقِّ العين، وقليل لحم العقب، وكان خاتم النُّبُوَّة بين كتفيه كالغُدَّةِ الحمراء بحجمِ بيضة الحمام.
- لونه: كان ليس بالأبيض الأمهق، أي ليس أبيض بياضاً شديداً، وإنَّما كان بياضاً مشرباً بالحُمرة، وكان ليس بالأدم، أي ليس أسمراً، فقد كان مليح الوجه، يستبشر من رآه بالخير، وكان كثير التَّبسُّم، وأحياناً ضحك حتى بانت نواجذه.
- شعره: ليس بالجعد القطط، أي شعره لم يكن فيه التواءٌ وانقباض، وكان ليس بالسبط، أي لم يكن شعره مسترسلاً بشكلٍ كامل، وإنما كان شعره فيه التواءٌ بسيط وناعم، ولم يكن في شعره الشيب الكثير، فإذا ادَّهن لم يُر شيبه، وإذا لم يدَّهن كان يُرى بضعٌ وعشرون شيبة، حيث إنّ شيبه كان أحمر مخضباً، طويل المسربة (أي الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصَّدر وينتهي بالسُّرَّة)، وكان عظيم شعر الجُمَّة (أي شعر الناصية والرأس)، فقد كان أحياناً يصل إلى منتصف أذنيه، وأحياناً إلى شحمتي أذنيه، وأحياناً إلى منكبيه.
- اعتناؤه بنفسه: كان عليه الصلاة والسلام يفرق شعر رأسه، ويدهنه بالطيب أو الزيت، ويعفي، ويطلق لحيته فلا يأخذ منها شيئاً، ويأمر بتوفيرها وتسريحها، وكان يكتحل بالإثمد ويأمر به لأصحابه، وكان يحبُّ لبس القميص والحبرة (وهي ثياب اليمن، مخطَّطة ومزيَّنة)، وإزاره كان لمنتصف ساقه، وكان يلبس العمامة، وكان يُحبُّ الطِّيب كثيراً ويأمر أصحابه وأمته به، ولم يترك السِّواك إلى وفاته عليه الصلاة والسلام، فما أن يدخل على أهله، أو يريد الصلاة إلا واستعمل السِّواك، وكان يبدأ ويستخدم يمينه بكلِّ شيءٍ إلا في الخلاء، فقد كان يستخدم اليد اليُسرى للخلاء وما كان به أذى.
الصفات الخُلُقية
- كان عليه الصلاة والسلام شجاعاً، فقد ذكر عليٌّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه عندما كان القتال يشتدُّ في الحرب، يحتمي الصحابة رضوان الله عليهم ولكن النبيَّ عليه الصلاة والسلام يكون في المقدِّمة.
- كان كريماً، فيُطعم الجائع، ويهتمُّ بضيفه، يسعى على حال الأرملة، واليتيم، والمسكين، والعبد حتى ينالون مرادهم.
- كان رحيماً، نعم هذا هو نبيُّ الرَّحمة، الذي أُرسل رحمةً للعالمين، فلم يُرَ قط أرحم منه بزوجه، وأولاده، وجيرانه، وأصحابه، والأولاد بشكلٍ عام، وحتى مع أعدائه، ورحيماً بالحيوان، ودائماً كان يوصي بالرحمة.
- كان متواضعاً، فيجلسُ مع أصحابه، ويأكل معهم، ويُسلِّم على الأطفال الذين يلعبون، وكان الصحابةُ لا يقفون عندما يدخل عليهم عليه الصلاة والسلام لعلمهم أنه يكره ذلك، وكان متواضعاً مع زوجاته، فلا يصرخ عليهم، ولا ينهرهم، وإنما حنوناً وعطوفاً عليهم، وكان يحلب شاته، ويُصلح نعله وثوبه بنفسه، وكان لا يحتقر أحداً، لا فقيراً لفقره، فالناس سواسيةً عنده، ولكن أفضلهم عنده من كان أكثرهم إيماناً وتقوى، وما عاب طعاماً قط، فإن أحبه أكله، وإن كرهه لم يقل شيئاً.
- كان حكيماً؛ فقد كان كلُّ أصحابه رضوان الله عليهم يستشيرونه بكلِّ أمورهم، فقد أوتي مجامع الكَلِم، وما ندم أحدٌ قط نصحه عليه الصلاة والسلام، فهو الذي لا ينطقُ عن الهوى، إنما هو وحيٌ يوحى، وكان لا يذل عزيزاً، ويحفظ لكل شخصٍ مكانته.
- كان حليماً، فقد كان يصبر في دعوته حتى يبلِّغها على أكملِ وجه، وقد فعل عليه الصلاة والسلام، وكان حليماً على أصحابه إذا كانوا في حاجته، وحليماً على من آذاه إذا رأى به خيراً، حيث إنه لم ينتقم لنفسه يوماً، وإنما ينتقم إذا انتهكت حُرُمات الله.
- كان وفياً صادقاً فلا يغدر، إن أعطى العهد أوفى به، حتى مع أعدائه، فهو الصادق المصدوق.
- كان شاكراً للمعروف والهدية ويكافأ عليهما.
- كان أكثر خلقِ الله في التَّقوى، والعبادة، والصلاح، والذِّكرِ، والعلم بربِّه سبحانه وتعالى، وأكثرهم خشيةً من الله تعالى.
مهما تكلّمنا عن أخلاق وصفات النبيِّ عليه الصلاة والسلام السنين، وألَّفنا بها الألوف من الكتب، فوالله لن نوفيه حقَّه، ولن نصل إلى عشر معشار هذه الأوصاف والصِّفات، فيا أيُّها المسلم، ويا أيَّتُها المسلمة اجعلوا نبيَّ الهُدى عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى لكم، ولأهلكم، وأولادكم، فمن اهتدى بهديه فقد فاز بخير الدنيا والآخرة، فصلُّوا عليه وسلِّموا، صلى الله عليه وسلم.