عندما تنظر إلى سنوات حياتك الّتي مرت، ترى مدى أهمية والدك لك، ولعائلتك؛ فهو صاحب القلب الكبير والصدر الحنون، هو السند والمرجع والقوّة، لذلك لا تستطيع إلّا أن تُقدّره في حياته وحتّى بعد مماته، وتُقدّر مواقفه معك منذ أن كنت صغيراً حتّى كبرت، لذلك أبدع بعض الشعراء في وصف الأب في حياته وحتى بعد مماته. وفيما يلي قصائد عن الأب بأقلام شعراء مختلفين على مرّ الزمان.
يا أبَتِي تلاشى ذلك التَّعَبُيا أبَتِي، تلاشى ذلك التَّعَبُ
كشمسٍ خلف تلك القمَّةِ الشمَّاءِ تَحتجِبُ
سنونَ العمرِ قد ذهبتْ
وأبقتْ في مُخيِّلتِي
طيوفاً من مرارتها بكَتْ في جَفْنِيَ الْهُدُبُ
أتذكُرُ يومَ أنْ كُنا
على الأبواب نرتَقِبُ؟!
نرى ظِلاًّ على الدربِ
ولهفتُنا تزيدُ، تزيدُ لَمَّا كنتَ تقتربُ
لأنكَ سوفَ تحملنا على كتفيكَ في حُبِّ
على عينيك والقلْبِ
وكنتُ أظنُّ يا أبتي
بأنِّي حين تحملُني تناجيني نجومُ الليل والشُّهُبُ
لقد كُنا نرى ظِلاًّ
فلم نكُ مرَّةً نرنو
لوجهك في النهار ضُحًى
ولا ظهراً ولا عصرا
ولا عند المغيب مَسا
فإنك دائماً تَمضي
إلى عملٍ معَ الفجْرِ
تُقَبِّلُنا, تُودِّعُنا..
ودمعةُ أُمِّنا تجري
وإنك كنتَ في حَلَكِ الدُّجى تأتي
تُطِلُّ كطلعةِ البدْرِ
وفي عينيك نَوحُ أسى
وجسمكَ هَدَّهُ التَّعَبُ
ويبسِمُ ثغرُكَ الوضَّاءُ في شغفٍ
وتضحكُ كي تُخبِّئَ عن صغارِك كل آلامٍ تُعانيها
ولكنْ كنتُ من صِغري
أرى الآلام تبدو من ثنايا البسمةِ الْحُبلى بآهاتٍ وأشجانِ
وأنَّاتٍ وأحزانِ
فمهما كنتَ - يا أبتي - تُواريها
بنورِ جبينكَ الأَسنى
وبسمةِ وجهكَ الأسمى
وثغرُك باسماً يبدو
وبلبلُ دَوحِهِ يشدُو
فكنتُ أرى ضلوعَ الصَّدْرِ تلتَهِبُ
ومقلةَ عينِكَ الوسْنى
تُكَفْكِفُ عبرةً حَرَّى
وتنفثُ زفرةً أُخرى
ومنكَ القلبُ ينتحِبُ
ومَرَّ العُمْرُ طيفَ كَرى
كبَرقٍ في الظلام سَرى
وأنت اليومَ قد جاوزتَ سِتِّيناً من العُمْرِ
مضَتْ.. لكنها كانت كحمْل الدَّينِ والصَّخْرِ
وتبقى أنتَ نبراساً لنا – أبتي -
تُنِيرُ حَوالكَ الدَّهْرِ
تُعلِّمنا وتُرشدنا
بعلمٍ منكَ لا تأتي به الكُتُبُ
وكنتَ تقول: أولادي
مع التَّقْوى
مع الإيمانِ بالقَدَرِ
يعيشُ المرءُ في الدنيا بلا ضنْكٍ ولا قهْرِ
وحُبُّكَ كان يُمطرنا بتحنانٍ
مدى الأيامِ لا تأتي به السُّحُبُ
نظمتُ قصيدةً لأبي
بدمعِ الحب والإخلاصِ والياقوتِ والذهبِ
ومِنْ عَرَقٍ لِجَبْهتِهِ
أخذتُ مِدادَ قافيتي
مداداً مُثقَلاً بالهمِّ والآلام والنَّصَبِ
نظمتُ قصيدةً لأبي
ببحرٍ سوف أملؤُهُ
بمهجة قلبيَ الْمُضنى
بأوردتي
قوافيها هي الشُّهُبُ
وذي كلماتِيَ الخجلى
تقول اليوم: يا أبتي
تلاشى ذلك التَّعَبُ
وداعا أبيوَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ
وأُقْصِيتَ عَنَّا
فَلَمَّا فَقَدْناكَ ذاكَ النَّهارْ
وجُرِّدْتَ مِنَّا
أتينا إليْكْ
بَكَيْنا عَلَيْكْ
فَقَدْ كُنْتَ فينا كعصْفورِ أيْكْ
بِحُبٍ تَغَنَّى
وقَدْ كُنْتَ فينا مع الحُلْمِ حُلْمَاً
معَ العُمْرِ عُمْرَاً
معَ اللَّيْلِ بَدْراً بهِ قَدْ فُتِنَّا
وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ
لَقَدْ كانَ يَوْمَاً عَصيباً عَلَيْنا
فَوا أسَفا حَيْثُ ضَاعَ الشَّبابْ
فَقَدْ كانَ كالشَّمْسِ ما إن تَبَدَّتْ
فَكَيْفَ تَوارَى
وفى الفَجْرِ غَابْ ؟!
وَها صارَ كالحُلْمِ نَهْفوا إليهِ
فَنَلْقاهُ حَيْثُ انتهيْنا
سَرَابْ
وما كُنْتُ أَحْسَبُ أنَّ الليالى
سَتَغْتالُ نُدْمانَها والشَّرابْ
وأنَّ نُجومَ السَّما النَيْراتِ
سَتَهْوِى
ليَعْلو ذُراها التُّرابْ !!
ويُصْبِحُ مَنْ كانَ يَمْشى الهُوَيْنا
يُحَلِّقُ كالطَّيْرِ
بَلْ كالشِّهابْ
ويَجْتاحُنا الحُزْنُ حتَّى كَأنَّا
كَفُلْكٍ
تَرَامَتْ بطَامِى العَبَابْ
وَدَاعاً أبى
وَدَاعاً فللمَوْتِ جُرْحٌ عَمِيقٌ
وَدَاعاً فللمَوْتِ ظُفْرٌ وَنَابْ
ودَاعاً أبى وَلْتَنُلْ حَيْثُ تَرْقَى
رَفيعَ الجِنانِ وحُسْنَ المَآبْ
أبي-إيليا أبو ماضيطوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
وذا بعضها الثاني يفيض به جفنيأبي! خانني فيك الرّدى فتقوضت
مقاصير أحلامي كبيت من التّينوكانت رياضي حاليات ضواحكا
فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضنيوكانت دناني بالسرور مليئة
فطاحت يد عمياء بالخمر والدنفليس سوى طعم المنيّة في فمي
وليس سوى صوت النوادب في أذنيولا حسن في ناظري وقلّما
فتحتهما من قبل إلاّ على حسنوما صور الأشياء ، بعدك غيرها
ولكنّما قد شوّهتها يد الحزنعلى منكي تبر الضحى وعقيقه
وقلبي في نار ، وعيناي في دجنأبحث الأسى دمعي وأنهيته دمي
وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبنفمستنكر كيف استحالت بشاشتي
كمستنكر في عاصف رعشة الغضنيقول المعزّي ليس يحدي البكا الفتى
وقول المعزّي لا يفيد ولا يغنيشخصت بروحي حائرا متطلعا
إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدنيكذات جناح أدرك السيل عشّها
فطارت على روع تحوم على الوكنفواها لو أنّي في القوم عندما
نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّيويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها
فكنت مع الباكين في ساعة الدفنلعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها
وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزنفأعظم مجدي كان أنك لي أب
وأكبر فخري كان قولك: ذا ابني!أقول : لي إنّي... كي أبرّد لوعتي
فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني!أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟
أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن!أبي! وإذا ما قلتها فكأنني
أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركنيلمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى
فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا
ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفنفذهن كنجم الصّيف في أول الدجى
ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهنوكنت ترى الدنيا بغير بشاشة
كأرض بلا ماء وصوت بلا لحنفما بك من ضرّ لنفسك وحدها
وضحكك والإيناس للبحار والخدنجريء على الباغي، عيوف عن الخنا،
سريع إلى الداعي ، كريم بلا منّوكنت إذا حدّثت حدّث شاعر
لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّفما استشعر المصغي إليك ملالة
ولا قلت إلاّ قال من طرب: زدنيبرغمك فارقت الربوع ىوإذا
على الرغم منّا سوف نلحق بالظعنطريق مشى فيها الملايين قبلنا
من المليك السامي عبده إلى عبده الفنّنظنّ لنا الدنيا وما في رحابها
وليست لنا إلاّ كما البحر للسفنتروح وتغدو حرّة في عبابه
كما يتهادى ساكن السجن في السجنوزنت بسرّ الموت فلسفة الورى
فشالت وكانت جعجعات بلا طحنفأصدق أهل الأرض معرفة به
كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّفذا مثل هذا حائر اللبّ عنده
وذاك كهذا ليس منه على أمنفيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض
على كثرة التفصيل في الشّرح والمتنأيا رمز لبنان جلالا وهيبة
وحصن الوفاء المحصن في ذلك الحصنضريحك مهما يستسرّ وبلذة
أقمت بها تبني المحامد ما تبنيأحبّ من الأبراج طالت قبابها
وأجمل في عينيّ من أجمل المدنعلى ذلك القبر السلام فذكره
أريج بهنفسي عن العطر تستغني الأب-أبو علاء المعرّيوأعط أباك النصف حيا وميتا
وفضل عليه من كرامتها الأماأقلك خفا إذا أقلتك مثقلا
وأرضعت الحولين واحتلمت تماوألقتك عن جهد وألقاك لذة
وضمت وشمت مثلما ضم أو شماجنى أب ابنا غرضا
إن عق فهو على جرم يكافيه تحمل عن أبيك الثقل يوما فإن الشيخ قد ضعفت قواهأتى بك عن قضاء لم ترده
وآثر أن تفوز بما حواه ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبيما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك
يا أبي ومشاعري عمياء بأحزانِ-أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي
مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِوأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ
للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى
وغرائبِ الأهُواء والأشجانِحتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ
فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِفإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً
بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِوإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها
ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِإنَّ ابنَ آدمَ في قرارة ِ نفسِهِ
عبدُ الحياة ِ الصَّادقُ الإيمانَ لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي-أحمد شوقيسأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْأَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم!
أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ
كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْهلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى
ونَعى الناعون خيرَ الثقلينغاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى
آخذٌ يأخذه بالأصغرينوطبيبٌ يتولى عاجزاً
نافضاً من طبَّه خفيْ حنينإنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ
أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْتنفذ الجوَّ على عق
بانه وتلاقي الليثَ بين الجبلينوتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته
وتنال الببَّغا في المئتينأنا منْ مات، ومنْ مات أنا
لقي الموتَ كلانا مرتيننحن كنا مهجة ً في بدنٍ
ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْنثم عدنا مهجة في بدنٍ
ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْنثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا
وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتينانظر الكونَ وقلْ في وصفه
قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتينفقدا الجنة َ في إيجادنا
ونَعمْنا منهما في جَنّتينوهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا
وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْنليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن
بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه
وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدينطالما قمنا إلى مائدة ٍ
كانت الكسرة ُ فيها كسرتينوشربنا من إناءٍ واحدٍ
وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدينوتمشَّيْنا يَدي في يدِه
من رآنا قال عنّا: أخويننظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً
سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتينيا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ
لا تذوقُ النفسُ منها مرتينكيف كانت ساعة ٌ قضيتها
كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً
أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عينأنت قد علمتني تركَ الأسى
كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْنليت شعري: هل لنا أن نتلقي
مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى
أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟المقالات المتعلقة بشعر عن الأب