شرح نظرية التطور

شرح نظرية التطور

نظرية التطور

نظرية االتطور هي واحدةٌ من النظريات التي أحدثت ثورةً معرفيةً كبيرة، وكان هدفها تعريف الإنسان بنفسه وموقعه في هذا العالم، وكان لهذه النظرية العديد من النتائج الفلسفية العميقة والمربكة، وتعرّضت للعديد من العراقيل والصعوبات لحساسية الموضوع الذي تتناوله، فهذه النظرية تعارض في المقام الأول نظرية الخلق المُستقل للإنسان، والتي تقوم على أساس هذه النظرية الأديان الإبراهيمية الثلاثة.

واضع نظرية التطور

هو العالم الإنجليزي تشارلز داروين، وهو عالم تاريخٍ جيولوجي وطبيعي بريطاني، من مواليد إنجلترا في الثاني عشر من شباط عام 1809م، وتوفي في التاسع عشر من نيسان عام 1882م. وظهرت نظرية التطور إلى حيز الوجود منذ ما يزيد عن الـ 175 عاماً على وجه التقريب.

شرح نظرية التطور

نظريّة التطور قائمة على مبأين أساسيين، هما:

  • التطور.
  • الانتخاب الطبيعي.

لا يمكن بأي حالٍ فهم هذه النظرية دون ذكر هذين المبدأين مُجتمعين، ويعني مفهوم التطور هو اكتساب الكائن الحي سِمةً جديدة تُمكنه من البقاء، أمّا الانتخاب الطبيعي فيعني بأنّ الكائنات التي تمتلك سماتٍ تؤهلها للبقاء، فإنّها سوف تبقى، فيما أنّ الكائنات الأخرى التي لا تحمل سماتٍ تساعدها على البقاء، فهي حتماً ستفنى، فعلى سبيل المثال لو تمّ أخذ عينةٍ بكتيريةٍ تتكون من مئة خليةٍ بكتيرية من النوع ذاته، فلو تمّ افتراض أنّ فرداً واحداً من المجموعة (خلية بكتيرية واحدة) قد حدثت لها طفرةٌ جينية ساعدتها في اكتساب مقاومةٍ ما، فهذه السمة ستكون بلا فائِدةٍ تُذكر طالما أنّ المجموعة كاملةً لم تكن عرضةً لأي تهديد خارجي يختبر مدى فعالية هذه السمة الجديدة، فإن تمّ تعريض هذه المجموعة لمُضادٍ حيوي مُعين، وكان الحظ حليفاً لهذه الخلية البكتيرية، بحيث إنّ هذه السمة المُكتسبة تُكسب هذه الخلية مناعةً ضِدّ هذا النوع من المُضادات الحيوية بالتحديد، فسيُلاحظ عدم تأثر الخلية بالمُضاد الحيوي، بينما ستبدأ المجموعات المُتبقية بالموت خليةً بعد الأُخرى، في هذا الوقت فإنّ الخلية وحيدة المقاومة سوف تنقل سماتها الجينيةِ الجديدة إلى الأجيال الجديدة من الخلايا عن طريق الإنقسام، وبعد مرور وقتٍ قصيرٍ فإنّ الخلايا البكتيرية غير المالكة لتلك السمة، وكانت في وقتٍ ما هي الغالبة، فإنّها سوف تبدأ بالانقراض بشكلٍ تدريجي، بينما الخلية الجديدة ستبقى لأنّها تمتلك سمةً تمكنها من زيادة مقاومتها، فتحملها على البقاء.

يتضح من هذا المثال مفهوم الانتخاب الطبيعي والتطورمعاً، مع العلم بأنّ التطور لا يكون إلّا ضمن مجموعةٍ وليس فرداً؛ لأنّ الخلية البكتيرية لو لم تتمكن من نقل السمة الجديدة إلى الأجيال القادمة، فهذا لن يمكّن الأجيال القادمة من البقاء، وذلك لأنّها لا تحمل الجين الجديد المُقاوم للمُضاد الحيوي، ولهذا فإنّ قدرة الخلية على نقل السمة الجديدة إلى الأجيال القادمة هو شرطٌ مُهمٌ وأساسيٌّ لحدوث التطور، وهنا يجب الانتباه لتلك السمة التي تمكنت الخلية البكتيرية من اكتسابها والتي كانت دون جدوى قبل تعريض تلك العينة البكتيرية للمُضاد الحيوي، ولو تمّ افتراض أنّ هذه السمة المُكتسبة كانت لا تملك مقاومةً لهذا النوع من المُضاد الحيوي، فإنّها بكل بساطةٍ لن تكون سمةً مُفيدة للخلية البكتيرية، وفي النهاية فإنّ تلك الخلية ستلقى حتفها كباقي الخلايا الأخرى، ويُعتبر هذا مبدءاً أساسياً لأنّ الطفرات الجينية لا تعتبر بالضرورة طفرات مُفيدة.

المثال السايق يوضح ما يُطلق عليه (التطور على مُستوى الميكرو)، وهذا المُستوى يُمكن مُلاحظته بكلّ سهولةٍ في المعامل على الفيروسات والكائنات المجهرية والحشرات صاحبة الدورات الحياتية القصيرة، وتتمّ هذه العملية بالطريقة ذاتها للكائنات الأكثر تعقيداً، ولكنّها تتطلب وقتاً أطول؛ لأنّ دورتها الحياتية أطول، وملاحظة أيّ تغييرات يمكن أن يتطلب الآلاف، بل يتعداها إلى ملايين الأعوام، ومن هنا يأتي السؤال (كيف يُمكن في هذه الحالة اكتشاف التطور وحدوث التغييرات؟) هناك إجابتان على هذا السؤال، هما:

  • الإجابة الأولى: أن يمتلك الشخص عمراً طويلاً، يكون كافياً ليتمكن من ملاحظة تلك التغييرات، وبطبيعة الحال فإنّ هذا الأمر يعتبر مُستحيلاً، لأنّ بعض التغييرات تتطلب الملايين من الأعوام، ومزيداً من تراكمات الطفرات الجينية.
  • الإجابة الثانية: السجل الأحفوري، وهي الطريقة المتاحة بغزارةٍ في هذا الوقت، ويعني السجل الأحفوري هذا هو عبارة عن بقايا المُتحجِرات التي يُعثر عليها في الطبقات الصخرية لأنواع مُنقرضة، ويُمكن أن توفر تلك المُتحجرات معلومات مهمة للغاية عن نمط الحياة لتلك الأنواع وكيفية تطورها، ويُمكن اعتبار السجل الأحفوري هذا كألبومٍ من الصُور القديمة لأسلاف كافة الأنواع الموجودة في الوقت الحاضر، ويعتمد العلماء على هذا السجل لدراسة كافة التغيرات التي طرأت على تلك الأنواع، وهناك الآلاف من الأحافير التي تؤكد حدوث التطور بين أنواع الكائنات الحية ومن بينها الإنسان.

كان السجل الأحفوري من أقوى وأهمّ أدلة التطور، إلّا أنّه في هذا الوقت يُعتبر دليلاً ثانوياً أمام دليلٍ أقوى أضعاف المرات، والذي يتمثل في (علم الأحياء الجزئية)، حيث إنّ هذا العلم يدرس العلاقات التبادلية بين الأنظمة الخلوية (جمع خلية) – كالحمض النووي والحمض الريبي – وكُل ما يختص بالخلية وكافة عملياتها الحيوية، ويصفه الكثيرون بأنّه علم (الجينات)، والذي يُعتبر من أقوى وأهمّ أدلة التطور على الإطلاق.

يُعتبر التطور تفرعي وليس سُلمي، كالشجرة التي تُنبت فروعاً في أجزاء مُتعددة من الجذع، ومن كلّ يفرع يمكن أن يتكوّن فرعٌ آخر، وتسمى بشجرة التطور أو شجرة الحياة، حيث إنّه لا يُمكن لأي فرع بأن يكون فرعاً آخر في أي وقتٍ كان، ولا أن يكون أيُ كائن كائناً آخر مهما تطور الزمان، ومن هنا جاء الرد على السؤال لِم لَم تتحول القِردة لإنسان، حيث إنّ القردة حسب النظرية لا يُمكن أن تكون إنساناً في يومٍ من الأيام، ولا في أي وقتٍ كان.

علاقة الإنسان بنظرية التطور:

نظرية التطور تُثبت بأنّ الإنسان ليس مُميزاً عن الكائنات الأخرى، ولا يختلف عنهُم في شيء، وإنّما هو مُتمايزٌ عنهُم، ويُعتبر هذا التمايُز سمة كل الكائنات الحية على الإطلاق، حيث إنّ كلُ كائنٍ حي يمتاز عن الكائنات الأخرى بصفاتٍ تميزه، لكن هذا التميز لا يجعل من هذا الكائن أفضل حالاً من الكائنات الأُخرى، وهذا الأمر ينطبق على الإنسان أيضاً مقارنةً مع باقي الكائنات الأخرى، والتصنيف العلمي يؤكد بأن الإنسان هو مُجرد (حيوان) له ميزات كما لبقية الحيوانات الأخرى ميزات خاصة بها.

أما فيما يتعلق بمقولة (بأن الإنسان أصله قرد)، فإنّ هذه المقولة تدلّ على جهلٍ واضح بنظرية التطور، حيث إنّه لم ينطق بهذه المقولة أي عالم أحياء حول العالم، ولا حتى الداروينيين القُدامى، ولكن النظرية قد أوضحت بأنّ هنالكَ سلفٌ مُشترك بين القرد والإنسان، وهذا يعني بأنّه كان هُناك نوعٌ أو كائن مُنقرض تطور عنه فرعين أو نوعين أو أنواع عدة، ولكن لا يُمكن القول بأنّ هذين النوعين أو تلك الأنواع مُتطابقة، حيثُ إنّ هذا السلف المُشترك ليس قِرداً، وأيضاً هو ليس إنساناً، لأنّ كافة الكائنات الحية تتقاسم بطريقةٍ أو أُخرى سلفاً مُشتركاً.

أمّا بالنسبة لتفسير صلة القرابة بين الإنسان مع القردة تحديداً، فهذا الأمر يعود للعديد من الأدلة والبراهين التي تُظهر تطابقاتٍ مذهلةٍ بين الحمض النووي الخاص بالشمبانزي –أقرب الكائنات الشبيهة جينياً بالإنسان– والحمض النووي للإنسان، وهذا التطابق يُمكن أن يصل إلى ما نسبتهُ 98,5%، ولا يُمكن الاستهانة بهذه النسبة على الإطلاق، إضافةً إلى أنّ الإنسان يتقاسم مع الشمبانزي العدوى الفيروسية الارتجاعية (BRV)، حيث إنّ لدى الإنسان والشمبانزي ستة عشر فيروساً ارتجاعياً مُتطابقاً بشكلٍ تامٍ في أماكنها في الحمض النووي، أمّا الآن فإنّ البحث جارٍ عن هذا السلف المُشترك، في هذا الوقت تمّ العثور عن حلقاتٍ تطورية تربط بين الإنسان والسلف المُشترك، كأحفورتي (لوسي وآردي)، اللتان تُعتبران حلقاتٍ في سلسلة تطور الإنسان، مع العلم بأنّ رُتبة الإنسانيات بشكلٍ عام تنحدر جميعها من سلفٍ مُشترك كان يعيش قبل سبعة ملايين عامٍ تقريباً ويُعرف باسم (Sahelanthropuc Tchadensis)، الذي تمّ اكتشافه عام 2002م. ومن هنا تتضح نظرية التطور والتي هي عبارةٌ عن رحلة بحثٍ عن الأصول والجذورالتي تمتد لملايين الأعوام.

المقالات المتعلقة بشرح نظرية التطور