من شعائر الإسلام أن يُدفَن الميت ضمن هيئة وكيفيّة معيّنة، وذلك في مكان مُخصَّص لدفن أموات المسلمين، وكما هو الحال في جميع أحوال المسلم حيث لا يخرج المسلم في كافّة أحواله عن التردد في أحكام الله بين الحلِّ والحُرمة؛ فكذلك الحال بعد وفاته؛ إذ ينبغي على ذوي الميت مراعاة بعض الأحكام العمليّة التي تتعلّق بزيارة الميت، وكيفيّة دفنه، وغير ذلك من الأحكام، فالإسلام لم يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا وضَّحها وبيَّنها، ومن الأمور الدّارجة منذ ما قبل الإسلام وحتّى يومنا هذا أن يزور المرء قريبه الميت في المكان الذي دُفن فيه جسده، فيستذكر أيّام حياته، ويُعيد محاسن أعماله في مُخيّلته، فما حكم زيارة نساء المسلمين للمقابر والقبور، وهل لزيارة قبور الموتى شروط خاصّة في الإسلام؟
حُكم زيارة النّساء للقبورزيارة القبور إجمالاً سواءً كانت للنساء أو الرجال مسألةٌ خلافيّةٌ، والخلاف في زيارة النساء للقبور أشد تشعُّباً وتعمُّقاً، وفيما يأتي بيان أقوال العلماء وآرائهم في حُكم زيارة النساء للقبور، مع بيان أدلّة كلِّ فريقٍ والضّوابط التي وضعها المُجيزون في حال الجواز:
الجوازذهب جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة في أحد آرائهم، وابن حزم في المعتمد عنده، إلى القول بجواز زيارة النساء للقبور والمقابر، وقد اشترط الشافعيّة للجواز الأمنَ من الفتنة، فإن أُمِنت الفتنة فلا ضَرر ولا حُرمة في زيارة القبور للنساء مُطلقاً.[١]
الكراهيةيرى فقهاء الشافعيّة، والحنابلة في الرّاجح عندهم، أنّ زيارة النساء للقبور مكروهة لا مُباحة ولا مُحرَّمة، وسبب الكراهة هو الخشية على المرأة أثناء زيارتها للمقابر والقبور من الجزع والخوف، وعدم تحمُّل المشهد، وقلّة الصّبر، ممّا قد يضرّ بها ويؤثّر على دينها أو صحّتها البدنيّة، يقول الخطيب الشّربيني رحمه الله: (تُكرَه زيارتها -يعني القبور- للنساء؛ لأنّها مظنّةٌ لطلب بُكائِهنّ، ورفع أصواتهنّ، لما فيهنّ من رِقّة القلب، وكثرة الجزَع، وقلّة احتمال المصائب).[١][٢]
وقد استدلَّ فقهاء الشافعيّة على قولهم بعدم حُرمة زيارة القبور للنّساء بما رُوي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أتى على امرأةٍ تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: اتِّقي اللهَ واصبِري)،[٣] فلو كانت زيارة القبور للنِّساء مُحرَّمةً لنهاها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك، دون أن يُصبِّرها أو بعد أن يُصبِّرها.[٢]
كما استدلّوا بما روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (... إنَّ ربَّك يأمرُك أن تأتيَ أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهم، قالت: قلتُ: كيف أقول لهم يا رسولَ اللهِ؟ قال: قولي: السّلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحم اللهُ المُستقدمين منّا والمُستأخِرين، وإنّا إن شاء اللهُ بكم لَلاحقونَ)،[٤] فلو كان حُكم زيارة القبور للنّساء التّحريم لما أمر النبيّ السيّدة عائشة -رضي الله عنها- بما أمرها به، وقد استدلَّ أصحاب الفريق الأوّل القائلون بجواز زيارة القبور للنساء بهذه الأدلّة نفسها.[١][٢]
الحُرمةحُرمة زيارة القبور للنساء هو أحد قولَي الحنفيّة والمالكيّة، وقولٌ ضعيفٌ عند الشافعيّة، وأحد أقوال الحنابلة، وإليه ذهب ابن تيمية، وقد استدلَّ القائلون بحرمة زيارة القبور للنساء بعدد من الأدلّة، منها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- وصحّحه الترمذيّ، وفيه: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لعنَ زوَّاراتِ القبورِ)،[٥] ومنها كذلك ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- حيث قال: (لعَن رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- زائراتِ القبورِ، والمتَّخذاتِ عليها المساجدَ والسُّرجَ).[٦][١]
شروط جواز زيارة النساء للقبورتجدر الإشارة إلى أنَّ الأقوال السابقة القائلة بحُرمة أو كراهية زيارة النساء للقبور لا تتعلّق بزيارة قبر سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث إنّ جميع الفقهاء مُجمعون على أفضليّة زيارة قبره، وأنَّ ذلك من أعظم القُرُبات، ويستوي فيه الرجال والنساء، أمّا القائلون بجواز زيارة النساء للقبور أو كراهيتها فقد اشترطوا ليكون الأمر في هذه المسألة خارجاً عن الحُرمة بعض الشّروط، منها ما يأتي:[٢]
اختلف العلماء فيما إن كان الميت يشعر بمن يزوره من الناس وهو في قبره، أو أنّه لا يشعر بهم، وفيما يأتي بيان أقوال العلماء في هذه المسألة، وبيان أدلّة كلّ فريقٍ على حِدة:[٧]
المقالات المتعلقة بحكم زيارة النساء للقبور