التكيّف خاصيّة تتّسم بها الكائنات الحيّة، وظيفتها الأساسيّة هي مُساعدة المخلوق الحيّ على التّعايش مع بيئته والتّكاثر فيها للحفاظ على نسله،[١] حيث إنّه لا يوجد أي كائنين على كوكب الأرض مُتطابقين تماماً، بل إنّ لكل واحد من الحيوانات خواصّاً مُختلفةً تُساعده على البقاء في بيئته، واختلاف الشّكل واللّون والطّباع هو من نتائج هذا التكيُّف.
يعتمد التكيّف على طبيعة البيئة؛ فبعضُ الحيوانات تتخصّص بالعيش ضمنَ بيئة مُحدّدة، مثل أشجار الخيزران التي لا تتواجدُ سوى في غابات شرق آسيا، بينما الإنسان -من جهة أخرى- قادرٌ على العيش في جميع بيئات الكوكب تقريباً، من الصّحارى الحارّة إلى القطب الشماليّ شديد البرودة.[٢]
ينتج التكيّف عن آلية التّكاثر في المخلوقات الحيّة؛ حيث إنّ الحيوانات دائماً تُنتج من النّسل أقلَّ ممّا يبقى على قيد الحياة فيما بعد، وهذا يعني أنّ النّسل الأقدر على التّعايشُ مع بيئته ومُواجهة ظروفها له فُرصة أكبر بالاستمرار وإنجاب الذُريّة مُستقبلاً، بينما تلك الأقلّ قدرة تفشلُ بالحصول على الغذاء والطّعام وتأمين مساحةٍ للعيش فتقلّ في عددها، وهذا يُساعد على تكيُّف الأنواع الحيّة مع البيئة الطبيعيّة بصُورة مُتلاحقة. وفي نظريّة التطوّر لعالم الأحياء تشارلز داروين تُسمّى هذه الظّاهرة الانتقاء الطبيعيّ، وتُعتبر عاملاً أساسيّاً بتطوّر الحيوانات.[٢]
تعريف التكيّفتُوجد ثلاثة طرق مُختلفة لتعريف معنى التكيُّف في علم الأحياء، وهي كالآتي:[٣]
يُؤثّر التكيُّف مع البيئة على الكثير من الأشياء في الكائن الحي، فعلى سبيل المثال، تتغيّر البُنية الجسديّة والوظيفيّة والوراثيّة للمخلوقات بفعل التكيّف، وكذلك تتغيّر قدرتها على الحركة، والهجوم، والدّفاع عن النّفس، والتّكاثر، والعناية بالذُريّة.[٣] ويحدث التكيّف البيئيّ، بصورة عامّة، نتيجة تغيُّرات وطفراتٍ في مورثات المخلوقات الحيّة لتُساعد الكائنات (من النّباتات والحيوانات على حدّ سواء) على أن تُصبح أقدر على العيش في بيئتها، وهي تنتقلُ عبر المورّثات من جيلٍ إلى الآخر بسبب طبيعتها الفعّالة، وإذا تمّ توارثها بين عددٍ كبيرٍ من الحيوانات من نفس النّوع فإنّ هذه المورّثات تُصبح صفةً سائدةً لديه، وعندها يكونُ النّوع قد اكتسب خاصيّةً جديدةً من التكيّف.[٤]
كيفيّة التكيّفيحدث التكيّف بطريقة مُتكرّرة استجابةً لكل التغيّرات التي تطرأ على البيئة المُحيطة بالمخلوق الحي. يستشهد علماء الأحياء في بعض الأحيان بمثالٍ مشهورٍ على كيفيّة حدوث التكيّف، وهو يتعلّق بنوع من العثّ الذي يعيش في إنكلترا ويُسمّى العث المُفلفل. قبل القرن التّاسع عشر كانت مُعظم سُلالات العث المُفلفل التي تعيش في براري إنكلترا ذات لون أبيض مُصفرّ تتخلّله بقعٌ سوداء، بينما بعضها كانت تطرأ عليها طفراتٌ تجعلها رماديّةً أو سوداء، إلا أنّ بيئة إنكلترا تغيّرت بشكلٍ شديد على مرّ السّنين اللاحقة بسبب آثار الثّورة الصناعيّة؛ فقد أدّت الثّورة إلى اصطباغ الأشجار بألوان باهتة نتيجةً لتلوّث الهواء. من هُنا تغيّرت هيئة العثّ مُباشرةً في استجابة لبيئته؛ إذ أصبحت السّلالات داكنة اللّون كثيرة العدد فجأةً، وذلك لأنّ لونها القاتم سمحَ لها بالتموّه بسهولة بين الأشجار المُلوَّثة، فأصبحت مُطاردتها ورؤيتها أصعب على الطّيور التي تفترسُها. ومع تضاءل التلوّث الصناعيّ في بريطانيا نتيجة تطبيق القوانين والتشريعات، عادت أعداد العث المُفلفل فاتح اللون بالارتفاع والازدياد.[٤]
أنواع التكيفيحدث التكيّف بطريقتين، فهو يُمكن أن يكون تكيُّفاً جسدياً يُسبّب تغيراً في الطّبيعة الفيزيائيّة للمخلوق، ويمكن كذلك أن يكون مجرّد تكيّف سلوكيّ يُغيّر من أسلوب في التّعامل مع ظروف بيئته. من الأمثلة عليها ما يأتي:[٤]
المقالات المتعلقة بتكيف الكائنات الحية مع البيئة