تُعرف الظاهرة الاجتماعية بأنها ما يمارسه الناسُ في مجتمع ما كسلوك جمعي، أو هي ما يُصابُ به مجموعة من البشر، فيعانون من نتائجه ومن تبعاته، وتكاد تكون الظاهرة الاجتماعية مشكلة إذا ما كانت ذات بعد سلبي أو ذات نتائج سلبية، تلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام، وعلى الفرد بشكل خاص، إذ إن كثيراً من الظواهر الاجتماعية تغدو مشاكل ونقاط خلل يواجهه الفرد في المجتمع، أو حتى يواجهها المجتمع ككل، وتكون الظاهرة الاجتماعية مشكلةً اجتماعية في حال وجود خلل أو عدم اتزان في بعض اتجاهات المجتمع، أو سلوكياته الاجتماعية، وبالتالي فإنه يتوجب علينا أن ندرك تمامَ الإدراك، هذه التشابكات والتعقيدات التي تتم بين الأفعال، والتي تُشكل في عمومها ظاهرة اجتماعية، لأن هذه الأفعال إذا ما انتشرت على هيئة وشكل فعل سلبي منتشر، فإنها تُكوّن ظاهرة اجتماعية.
ويُشار إلى أن "إيميل دوركاييم" وهو عالم اجتماع فرنسي، من أكثر العلماء التفاتاً لهذه الظاهرة، حيث قام بدراسة الظاهرة الاجتماعية وفق أسس وقواعد منهجية وعلمية واضحة ومحددة، وربما تبلور هذا الاهتمام في مؤلفه المعروف "قواعد المنهج في علم الاجتماع"، هذا المؤلف الذي حدد خصائص وعناصر الظاهرة الاجتماعية، كما وتحدث بإسهاب عن قوانين الظاهرة الاجتماعية.
هذه وإن تشخيصَ الظاهرة الاجتماعية يستدعي منا أن نتصيّدَ أسلوب التشخيص العرضي لواقع المشكلة، بمعنى تتبع المسافة الجغرافية التي تتمدد على نطاقها هذه المشكلة الاجتماعية؛ كما ويتوجب علينا أن نتبع الأسلوب الطولي لجذور وتاريخ المشكلة، مع الانتباه إلى أنه يتوجب علينا إقصاء جميع التفسيرات والتحليلات التي من شأنها أن تكون خاطئة، لكي لا تؤول بنا لمعالجات غير صائبة، وحلول غير ناجعة، يتراكم علينا أخطاء أكبر من المشكلة الاجتماعية ذاتها.
خصائص الظاهرة الاجتماعيةتتميز الظاهرة الاجتماعية بموجوعة من الخصائص التي تختص بها، نوردها على النحو الآتي:
تفرز الظاهرة الاجتماعية ما يُسمى بالمشكلة الاجتماعية، فالمشكلة الاجتماعية أحد إفرازات الظاهرة الاجتماعية، ولكنها تسلك مسلكاً سلبياً لا إيجابيا، وتكون غير مرغوبة في معظم الأحيان، وتتبلور في صورة صعوبات ومعيقات ومُثبطات، تعيق سير الشؤون المجتمعية التي من المفترض أن تسي وفق خط طبيعي ومنطقي.
وتُعد المشكلة الاجتماعية خلاصة ظروف مؤثرة أصابت شريحة واسعة من أفراد المجتمع، تجعلهم يسلكون مسلكاً غير مرغوب فيه، لا يمكن ترميمه بشكل فردي، وإنما يتيسر علاجه عن طريق الفعل الاجتماعي الجمعي، ومع ما تقدم فإن المشكلة الاجتماعية والظاهرة الاجتماعية يُصبحان وجهان لعملة واحدة، فلهما نصيب كبير من الترادف والالتقاء.
ويكاد يكمن الفرق بين المشكلة الاجتماعية والظاهرة الاجتماعية، في أن الظاهرة الاجتماعية لها نمط مجتمعي متقدم، كبيت العزاء مثلاً، فإذا أفرزت هذه الظاهرة حكماً مجتمعياً بأنها سلبية أصبحت مشكلة اجتماعية لا ظاهرة اجتماعية، لأن المشكلة الاجتماعية لها حكم غير مرغوب فيه، كمشكلة المخدرات، أو السرقة، أو القتل، وما إلى ذلك من المشاكل الاجتماعية غي المرغوب فيها.
وفي مجتمعنا العربي، نواجه الكثير من الظواهر الاجتماعية التي تحولت فيما بعد إلى مشاكل اجتماعية، لعل من أبرزها ظاهرة الهجرة، هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر ويتوسع نطاقها بشكل أكبر، وهذا الانتشار يتناسب طردياً مع سوء الأحوال السياسية والاقتصادية، التي تعصف ببعض المجتمعات العربية، هذه الأحوال التي تحولت إلى دوافع أساسية وقوية لهجرة الشباب والعقول العربية المفكرة، الأمر الذي دفع بهذه الظاهرة إلى أن تتحول إلى مشكلة اجتماعية باعتبارها ظاهرة تهدد المجتمع العربي، وتؤثر بشكل أو بآخر على بناء ورقي المجتمع العربي، الذي يعتمد بدوره على هذه الكفاءات وهذه الطاقات التي وجدت الهجرة كحل بديل وجذري لما يعانونه في مجتمعاتهم.
من أخطر الظواهر الاجتماعية التي أصحبت بمثابة مشكلة اجتماعية، ظاهرة الأمية المنتشرة في أوصال المجتمع العربي، وخاصة المجتمعات النامية منها، هذه المشكلة التي تفاقمت نتيجةً لكثير من العوامل والمسببات الاقتصادية والسياسية والثقافية، منها الزيادة السكانية والكثافة السكانية للمجتمع العربي، ومنها العادات والتقاليد في بعض المجتمعات النامية، التي تفرض على المولود الأنثى عدم الالتحاق بالمدارس، ومنها الفقر الذي يمنع البعض من التمكن من الالتحاق بالمدارس والمؤسسات التعليمية، إضافة إلى عجز أو ضعف كفاءة أنظمة التعليم الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب الأطفال من المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة.
إن هذه المشاكل الاجتماعية، مثل الهجرة أو الأمية، لهي بالأساس ظواهر اجتماعية، تحولت إلى مشاكل اجتماعية لأنها ذات طابع سلبي، وذات مردود سلبي على المجتمع، ومن ثَم على الفرد نفسه؛ وهي بطبيعة الحال تؤثر بشكل أو بآخر على السلوك الجمعي، وعلى استقرار المجتمع واتزانه.
دراسة الظاهرة الاجتماعيةأصبحت الظواهر الاجتماعية محط اهتمام واسع وكبير، وذلك بفعل شموليتها، الأمر الذي أدى إلى أن تكون ظاهرة تستدعي دراستها، خاصةً أنها قد تأخذ طابعاً سلبياً في بعض الأحيان، ولدراسة الظاهرة الاجتماعية فإنه يتوجب علينا توظيف المنهج العلمي في مجال علم الاجتماع، وذلك لتدارك خصائص هذه الظاهرة، وكيفية معالجتها، وسرعة انتشارها ونفوذها في المجتمع، وهذه الدراسة تستدعي منا دراسة البؤر الاجتماعية التي أنتجت وأفرزت هذه الظاهرة أو تلك، والتي بدورها تكون فاعلة في انتاج الظاهرة الاجتماعية وتكوينها، حيث تحاول المجتمعاتُ المعاصرة، من خلال المناهج العلمية المنهجية ذات التخصص، أن تفسر وتحلل هذه الظواهر، كمات تحاول جاهدةً أن تراقب تطورها وتأرجحها من حالةٍ إلى أخرى، وذلك من خلال إجراء مسح دائم ومستمر، والأمر مشابه لقياس سلوكيات الفرد أو المجتمع، أو هو مشابه لدراسة مشاكل اجتماعية كالهجرة أو الأميّة أو البطالة أو السرقة مثلاً.
ولدراسة الظواهر الاجتماعية أهمية بالغة وكبيرة، باعتبارها ظواهر تخص المجتمع والفرد، وباعتبارها ظواهر قابلة للتحول إلى مشاكل اجتماعية معقدة وصعبة، وهذا ما دفع بعض المجتمعات المعاصرة إلى عدم الاكتفاء بإجراء البحوث والدراسات فقط، بل السير باتجاه خطوات عملية لمراقبة الظواهر الاجتماعية مراقبةً جادة، خاصة وأن هذه الظواهر أصحبت تنتشر انتشار النار في الهشيم، وذلك بفعل التطور التكنلوجي الهائل، والانفتاح الكبير الذي أفرزته وسائل التواصل الاجتماعي، وتقريب المجتمعات وثقافتها من بعضها البعض.
المقالات المتعلقة بتعريف الظاهرة الاجتماعية