لم يكن مجتمع المدينة المنوّرة عندما هاجر النّبي عليه الصّلاة والسّلام والمسلمون إليها مجتمعًا واحدًا متجانسًا، بل كان مجتمعًا فيه العرب الذين كان يمثّلهم الأوس والخزرج، وفيهم كذلك اليهود الذين عقدوا تحالفات مع قبائل المدينة، وعندما وصل النّبي عليه الصّلاة والسّلام إلى المدينة المنوّرة أدرك طبيعة المجتمع فيها فوضع السّياسات الحكيمة والمبادىء الثّابتة في شكل صحيفة مكتوبة تُحدّد واجبات كلّ فريقٍ وحقوقه، وقد كانت تلك الصّحيفة أوّل دستورٍ ينظّم العلاقات بين المسلمين واليهود في المدينة، فما هي الطّريقة التي تعامل بها النّبي عليه الصّلاة والسّلام مع اليهود والنّصارى؟
أسلوب تعامل النّبي الكريم مع اليهود والنّصارى - كان تعامل النّبي عليه الصّلاة والسّلام مع اليهود والنّصارى مبنيًّا على اعتقاد أنّ هؤلاء الطّوائف على دينٍ باطل وأنّ رسالة الإسلام قد جاءت لهداية الخلق أجمعين ومن بينهم اليهود والنّصارى، لذلك لم ييأس النّبي عليه الصّلاة والسّلام في دعوتهم ونصيحتهم، كما لم يتكبّر عن الإجابة على أسئلتهم على الرّغم من علمه باستكبارهم وجحودهم للرّسالة .
- الحرص على أن يكون المسلمون أمّةً دونهم، فقد كتب النّبي عليه الصّلاة والسّلام في صحيفة دستور المدينة أنّ المسلمين هم أمّةٌ دون النّاس، وأنّ اليهود كذلك أمّة، وهذا التّقسيم أدعى لإثبات حقوق كلّ طرف وتأكيد لهويّة ووجود معتنقي كلّ دين .
- إعطاء اليهود الحقّ في التّحاكم إلى شريعتهم وقوانينهم وخاصّةً إذا لم يكن بين المتحاكمين مسلم، فقد أعطى النّبي عليه الصّلاة والسّلام اليهود في المدينة الحقّ في أن يتحاكموا فيما بينهم بالتّوارة، وكذلك كان يحكم بينهم بشريعة الإسلام إذا جاؤوا يطلبون حكمه، وقد اتّهم اليهود في المدينة المنوّرة بقتل الصّحابي الجليل عبد الله بن سهل رضي الله عنه فلم يعاقبهم النّبي على ذلك لعدم ورود الدّليل والبيّنة على ذلك، بل قام بدفع ديّة القتيل من أموال المسلمين، وهذا غايةٌ في الأنصاف والعدالة مع المخالفين.
- عدم إجبار اليهود أو النّصارى على اعتناق الإسلام، وقد أكّدت صحيفة الدّستور في المدينة على هذا الأمر تأكيدًا واضحًا لا لبس فيه .
- عيادة مريضهم وقبول هداياهم، فقد خدم النّبي عليه الصّلاة والسّلام غلامٌ يهودي، وقد حدث أن مرض هذا الغلام فعاده النّبي في بيته وقعد عند رأسه يدعوه إلى الإسلام، فآمن الغلام بدعوة الإسلام، كما قبل النّبي الكريم الهديّة من اليهود ومثالٌ على ذلك يوم أهدت اليهوديّة كتف الشّاة المسمومة إلى النّبي فقبلها.
- الحزم معهم عندما يتطلّب الأمر ذلك، فلم يتساهل النّبي عليه الصّلاة والسّلام مع اليهود عندما كانوا يغدرون ويخونون، بل اتّخذ الحزم معهم في أكثر من موقف وحادثة كما حصل مع بني قريظة يوم غدروا يوم الأحزاب.