سورة يس هي سورة مكيّة نَزلت قبل الهجرةِ النبويّةِ الشّريفة من مكّةَ المُكرّمةَ إلى المدينةِ المنوّرة، وعدد آياتها ثلاثٌ وثمانون آيةً، وترتيبها في المصحف الشريف 36؛ حيث تَسبقها في المُصحف الشريف سورة فاطر، وتليها في الترتيب سورة الصافات.[١]
فضل سورة يسوَردت العَديد من الأحاديث النبويّةِ الشريفة في فضل سورة يس وأهميّتها؛ فسورة يس تُعدّ قلب القرآن لما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلبُ القرآنِ يس لا يقرؤُها رجلٌ يريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غفر اللهُ له اقرؤُوها على موتاكم)[٢]فسورة يس هي قلب القرآن، والمسلم الذي يقرؤها خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وطَمعاً في رضوانه ونعمته وجنّته فإنّ الله يغفر له.
لسورة يس فضلٌ، ولذلك فإنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوصي المسلمين بقراءتها على الموتى من المُسلمين عسى الله أن يُخفّف عنهم ويَغفر لهم، ولفضل سورة يس العظيم فإنّ بعض العلماء ذهبوا إلى أنّ قراءة هذه السورة تُيسّر كلّ عسير، ولها أيضاً أثرٌ كبيرٌ في التيسير والفرج بإذن الله تعالى،[٣]وقد ورد في فضلِ سورة يس أنّ من يقرؤها ابتغاء مرضاة الله وطلبا لمرضاته تعالى غفر له؛ فقد جاء في الحديث: (مَن قرَأ يس في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ غُفِر له)[٤]
تسمية سورة يسعالجت سورة يس موضوعاتٍ متعدّدةً على النحو الآتي:[٦]
وردت في سورة يس قصة أصحاب القرية من الآية 13 إلى الآية 30 في قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ*إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُرْسَلُونَ* قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ*قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ*وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ* قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ*قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ*وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ*وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ*إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ*إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ*قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ*وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ*إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ*يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)[٧]
تتحدّث الآيات عن أهل قرية لم يُحدّد اسمها بالضبط، وهذا من أسلوبِ القصص القرآني؛ فالآيات القرآنيّة في القصص القرآني لا تهتمّ بالأشخاص على الأغلب، وإنّما يُقصد بالقَصص القرآني أخذ العِبرة والعظة؛ ليستفيد المسلمون دروساً من قصص من سبقهم من الأمم، فيتّعظون، ويَبتعدون عن مَواطن الزّلل، ويَبتعدون عن كلّ الأسباب الموجبة لغضبِ الربّ وعِقابه تبارك وتعالى، وليَتعلّموا من هذه القصص سُنَن الله في الكون، ومَواطن القوّة وقواعدها، ويَستفيدوا من كلّ مَن سبقهم ممّا حصل ووقع من الأمم السابقة، فيأخذوا بالقوّة وأسبابها، ويتمسّكوا بها ويعرفوا الخلل وعواقبه فيجتنبوه ويتنبهّوا له، ويبتعدوا عنه، فأهل القرية هؤلاء جاءهم المرسلون من عند الله يدعونهم إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
تبرّأ أهل القرية من هؤلاء المرسلين، وما يدعونهم إليه ممّا فيه حياتَهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، ولكن يبقى هذا حال العناد الموصل إلى الكفر، والبعد عن الإيمان، فأينما وُجِد العناد وجد الكفر، فلا يجتمع عنادٌ وإيمان، بل إنّ الملحوظ من خلال قصص الأوّلين أنّ العناد رفيق الكفر وقرينه؛ لأنه تقديمٌ للهوى والضلال على كلّ قواعد الإيمان، فلعَلّ الإنسان في قرارة نفسه يَعلمُ الحقّ والصواب، ولعلّ هناك صوت خفي يدعوه من داخله ليتّبع الحقيقة والصواب، ولكنَّ عناده يَزجره ويُعيده رغم قناعاته بطريق الحقّ فإن العناد يُعيده إلى اتّباع نفسه، وعبادة هواه، وتقديمه على الإيمان الصحيح.
في غمرة النقاش بين أهل الإيمان المتَمثّل بالمُرسلين، وبَين أهل الكفر والعناد المُتمثّل بأهل القرية يَدخل في القصة مَشهد جديدٌ بأسلوبٍ في غاية الروعة والجمال، يجعل القارئ والمُستمع للآيات يَعيش جوَّ المَشهد وكأنّه كان حاضراً لكل أحداث المشهد وتطوراته، فبينما كان الرسل يَدعون أهل القرية إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وهم أصرّوا على كفرهم يأتي رجلٌ رشيدٌ عاقلٌ مُؤمنٌ وكأنّه يدخل المشهد مُسرعاً مشفقاً على هؤلاء الغارقين في ظلمات كفرهم، وتَعقيدات ظلمهم لأنفسهم، فيدعوهم وهو حريصٌ عليهم، يريد الخيرَ كلَّ الخير لهم، فيدعوهم للإيمان بما جاء به المرسلون واتباعهم، ويُبيّن أنّه لا يستحقّ العبادة إلا الله الخالق جلّ وعلا، فهو الخالق، وهو الرازق، وهو النافع والضار، ثم يُعلنها ويصدح بها عالياً مُعلناً إيمانه الثابت، غير القابل للشكّ أو التردد.
تورد بعد ذلك الآيات الجزاء والخاتمة السعيدة لهذه القصة التي تُمثّل صراعاً بين الحق والباطل، فيستحقّ هذا الرجل المؤمن الرشيد الجنّة فيقول ليت قومَه يعلمون بهذا الجزاء، والتكريم الرائع الراقي، ويا ليتهم يَعلمون بما يَرفع الإيمان صاحبه، فيرقى في الجنات، والنِعم، والتكريم الرباني؛ نتيجة الإيمان بالله، ونصرة الحق وأهله، لتنتقل الآيات بعد ذلك، لبيان جزاء الطرف الآخر، بعدما عَرضت جزاء أهل الحق؛ حيث بيّنت جزاء أهل الباطل، وجزاء المُعاندين، المُصرّين على كفرهم بالله، فاستحقّوا العقاب، والعذاب نتيجة كُفرهم وعنادهم.
تُختتَم آياتُ القصّة بالتحسّر على أهل الكفر، الذين نالوا جزءاً من العذاب مُعجّلاً لهم في الدنيا، وهم في الآخرة مع كلّ الأسف والحسرة عليهم خالدون مخّلدون في العذاب؛ نتيجة عنادهم وكفرهم.[٨]
المراجعالمقالات المتعلقة ببحث عن سورة يس