يُعَرفُ العُنفُ بِصورةٍ عامَّةٍ بالشِدَّةِ والقَسوة، وتَجتمعُ معاجمُ اللغةِ بِوصفِهِ بأنَّهُ تعبيرٌ قاسٍ يَهدِف للإصلاح والرَّدع، والعُنفُ ضِدُّ الرِّفقِ، ومنهُ عَنُفَ بمعنى قَسى، وعَنُفَ بهِ وعليهِ، أي: أخذهُ بالشِّدَّةِ والقسوةِ، ولامَهُ بِشدَّةٍ إنكاراً لِفعلِه بُغيةَ تغييرِه وإصلاحِهِ ورَدعِه، فالعنفُ هو المُعاملةُ بِالقَسوةِ والشِّدة دونَ رِفقٍ وتَلطُّف.[١]
إنّ مَفهومُ العُنفِ في الاصطِلاحِ مُوافِقٌ لِما عُرف بهِ المُصطلح في اللغة، وزِيدَ عليهِ إظهارُ الحالِ المُصاحِبِ والتنوُّع، إذ هو القَولُ الشديد، والفعلُ الشديد، والرأي الشديد، فهوَ انتزاعُ الرِّفقِ من الأمورِ والأقوالِ والأفعالِ والأحوال، وإظهارُ الشِّدةِ والقسوة فيها، ومنهُ أنواعٌ ومَظاهرٌ متنوِّعةٌ كالعنفِ العقدي، والعِلمي، والفِكري، ومن ثمراتِه الغلوّ والتطرُّف.[٢] وهو كل سُلوك أو تصرُّفٍ يؤدي إلى الأذى أو يهدِف إليه، وقد ينتُج عنهُ تعنيفُ الآخرينَ بأذىً جسديّ، أو نفسيّ، أو لفظي، أو استهزاء، أو فرض رأيٍ.[٣]
أسباب العنف وأضرارهلا يَقتَصرُ العنف كسلوكٍ أو ظاهرةٍ على زمنٍ بِذاته أو مكان أو عرقٍ أو دين، بل إنَّ أسبابهُ ودواعيهِ مُتنوِّعةٌ ومُتعدِّدةٌ تَظهرُ وتتطوَّرُ في مختلف الحضارات والأزمنة. كانَ ظُهورُ العنفِ سبَّاقاً منذ النَّشأةِ الأولى للحياةِ الإنسانيَّةِ على وجهِ الأرض، وكانَت من مظاهرهِ الأولى سفكُ الدِّماءِ وقتلُ النَّفس، والشَّاهد فيهِ سابقة قَتلِ قابيلَ لأخيه هابيل لِداعي الحَسد وضيقِ العين، فَحَضَر السببُ وفَسَّرَ السُّلوك، ثمَّ مع ازدياد البشريَّة تعداداً وتنوُّعاً أصبحَ العنفُ أحدَ سِماتِ المجتمعات على الصَّعيدِ الفرديِّ أو المجتمعي، وللتاريخ شواهد عديدة تَعرِضُ تسلُّطَ الطَّبقاتِ داخِل المجتمعِ الواحد أو اعتداء مجتمعٍ على آخر، ولكلِّ حالةٍ أسبابُها ودواعيها، ويُمكن إجمال أسبابِ العنفِ في الآتي:[٤]
العوامل الذاتية المُسبّبة للعنفتنشأ هذه العوامل من شخصيَّةِ الفرد وذاتِه؛ إذ هي انعاكساتٌ لتفاعلاتِ الذات البشريَّةِ ومكوّناتها، ومن هذه العوامل:[٤]
تمثّلُ هذه المؤسساتُ الثلاثةُ دوائرَ الفردِ ومراحلَ نشأته؛ إذ يبدأ تكوينُ شخصيَّته في البيئة الأسريَّةِ المسؤولةِ عن بنائه الجسمي، والعقلي، والوجداني، والأخلاقي، والنفسي، والاجتماعي، لتكونَ الأسرةُ بذلك حَجر الأساس وينبوع الرَّفدِ الأولِ والأهم، ثمّ يَنتقل بعد ذلك لِصقلِ بنائه وذاته خلال مَرحلةِ المدرسةِ التي تَدعم بناءَه الاجتماعيّ والنفسي، ليبدأ اختلاطه في المُجتمعِ يَعظم ويتوسَّعُ أوّلاً بأوَّل، ليصنعَ روابطهُ المكانيَّةِ المتعلِّقةِ بالسَّكنِ والحي، ودعائمه السلوكية والاجتماعيَّة المتمثِّلةِ بمجتمع الرفاق وتكوين الأصدقاء، وتتسبَّبُ هذه الدوائر بتشكيلِ سلوكِ العنف عند الفردِ لأسبابٍ عديدة منها: [٤]
يبرُزُ دورُ الإعلامِ في تنميَةِ ظاهرةِ العنف وتفشِّيها نتيجةَ الظُّهورِ المتكرِّر لمشاهد العنفِ بأنواعه وترويجها عبر البرامج التلفزيونيَّةِ والأعمالِ السينيمائيَّة كنوعٍ من الإثارةِ والتَّسلية، لتظهر انعكاساتُ هذه المشاهدِ في شخصيَّاتِ المُراهقينَ وسلوكاتهم؛ إذ تتشرَبُ أفكارهم مثلَ هذه المشاهد، وتُصبحَ واقعاً في حياتهم العمليَّة، ومن مَظاهرِ الإعلام المسبِّبة:[٤]
يَظهرُ تأثير الفقرِ والبطالةِ في انتشارِ العنفِ وتفشِّيهِ كثقافةٍ فيما تَحمِلهُ هذه الأحوالُ من آثارٍ سلبيَّةٍ في أفرادِها؛ إذ تؤدّي البطالة والفقرُ إلى ظهور أمراضٍ نفسيَّةٍ مُزمنة؛ كالاكتئابِ، واليأسِ، والعزلة، لتَنتج عن تفاعلِ هذه الظروفِ والحالات العدوانيَّةِ داخلَ الأفرادِ.[٤]
أضرار العنفتُشيرُ منظّمة الصحَّة العالميَةِ في تحقيقها الخاص بالإصابات والعنف لعام 2008م إلى أنَّ عددَ الوفيّاتِ الناتجة عن العنفِ في العالَمِ تقعُ بحدودِ خمسة ملايينَ نسمة سنوياً، بمعدَّلٍ يقاربُ نسبةَ تسعٍ في المائةِ بين مجموعِ الوفياتِ كلَّ عام، وتُعادلُ هذه النِّسبة المُرتفعةٌُ إجمالاً نسبةَ الوفيّاتِ المُتسبِّبة عن أمراضِ الإيدز والملاريا والسل.[٥] ويمكن الإشارة إلى بعض الآثار المُترتِّبةِ عن العنفِ، والنَّاتجة عنه كالآتي: [٦]
إنَّ معرفةَ الأسبابِ والدوافع التي يقومُ عليها العنف ويستندُ على أركانها تجعل علاجه مبنيّاً على هدمها وتفكيكها وتجاوزها قبلَ وقوعها. للتخلّص من ظاهرة العنف يُمكن أتّباع الخطوات الآتية[٧]
المقالات المتعلقة ببحث عن العنف أسبابه وأضراره