شُيِّدت الحضارات على مرّ العصور من قبلِ أفرادٍ كانوا لها حجر أساسٍ، فلا يقوم البناءُ بحديدٍ، أو أخشابٍ، أو حجارةٍ، إنّما بترابطٍ، وتعاضدٍ، وتكافُلٍ، كذلك الحضارات لا تقوم إلا بوجود أفرادٍ يربطهم التّعاون؛ ليُعينوا بعضهم على بناءِ مُجتمعاتٍ متماسكةٍ، تنجح في تشييد الحضارات، ولا يكونُ هذا إلا بأيديهم ورقيّ فكرهم، فإنْ حصلَ واندثر حجر الأساسِ هذا، قُضِي على الحضارة كُلّها، وصارت أثراً من الماضي.
الفردُ والمجتمعُ عُنصران مُترابطان لا ينفكّ بعضهما عن الآخر؛ فكما أنّ المُجتمعَ بلا أفرادٍ مُجتمعٌ ذاوٍ مُتهدّم، فإنّ الأفرادَ كذلك بنيانُهم متصدّعٌ بلا مُجتمع يجمعهم؛ فالله خلقَ الإنسانَ اجتماعيّاً؛ أي لا يقوى على العيش وحيداً، والفردُ حسب النظريّة الاجتماعيّة التفاعليّة غير قادر على تَعلُّم الأشياء بمفرده بمعزلٍ عن المجتمعِ حوله؛ حيثُ يحتاجُ توجيهاً وتشاركاً مستمرّين مع من حوله من أفراد مجتمعه؛ ليكتسب من ذلك خبراتِه، ويصنعَ معارفَ جديدةً.[١]
مفهوم التّعاونيُعدّ التّعاون من القيم الإنسانيّة العظيمة، ويُمكن أن يُعرَّف بأنّه تساعُدُ الأفرادِ وإعانتهم لبعضهم على عمل الخير والبِرِّ، واتّقاء الشرّ. ويكونُ التّعاون بأنْ يُساعد الفردُ الآخرين، ويُسهّل الطّريق قدر المُستَطاع أمامهم إن كان في الأمر خير، وأن يمنعهم ويُحذّرهم قدر ما استطاع إنْ كان الأمر شرّاً، ويترتّب عليه ضررٌ قد يلحق بهم.[٢]
أهميّة التّضامن والتّعاوُن بين الأفراد والمجتمعات أهميّة التّضامن والتّعاوُن سياسيّاًفي التّضامن والاتِّحادِ قوّة، ومَنَعَة، وقدرة على دفعِ العدوان الخارجيّ، والنّاظرُ في سِير الماضين يُدرِك عزّة الحضارات التي قطنت أرض البلاد العربيّة ومجدَها؛ حيث صدّرت هذا عزّاً وفخراً يذكرهُ القاصي والدّاني؛ سواءً من أجيال هذه العصور أو غيرها.[٣]
أهميّة التّضامن والتّعاوُن نفسيّاًيدمج التّضامن والتّعاون الفرد ببيئته، ويُبعِده عن الانعزال، كما يُبعده عن الأنانيّة المُبالَغ بها، ويُمكّنه من تحقيق معنى التّعاضُد أو ما يُسمّى بالجسديّة الواحدة، ويُوفّر البيئة الملائِمة لنموّ الإنجاز التطبيقيّ والعلميّ.[٤]
أهميّة التّضامن والتّعاوُن اقتصاديّاًيسعى المجتَمعُ المتضامِن المُتعاضِد إلى أبعدَ من توفير قوت اليومِ واللّيلة، إنّه يسعى دائماً إلى الاكتفاء الذاتيّ، وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة قدر استطاعته، والقضاء على الفقر، والعوز، والبطالة؛ عن طريق تعاون أفراده فيما بينهم وتكاتفهِم؛ وذلك لزيادة الإنتاج المحليّ، وتقليل الإيرادات قدر المستطاع، حيث إنّ التّنمية الاقتصاديّة ترفعُ متوسّط نصيب الفرد من الدّخل؛ عن طريق هيكلة كلٍّ من: الإنتاج، ونوعيّة المنتجات والخدمات، والدّخل بشكلٍ يتوافق مع شرائح المجتمع المختلفة.[٣]
مظاهر التّعاون بين الأفراد والمُجتمعاتتشكِّلُ الأسرةُ المكان الأوّل الذي يُنشئ الطّفلَ، ويُكسِبُه القِيَم والمبادئ الأساسيّة؛ لتكوين شخصيّته وأفكاره تكويناً متوازناً، قادراً على التّعامل مع مختلف فئات المجتمع الخارجيّ تعاملاً سليماً، متعاوناً مع أفراده، وساعياً في تطوير المجتمع، ولا يحدث هذا إلا بما يُعرَف بالتّنشئة الأسريّة السّليمة التي تمُكّنه من النموّ والتّنمية، فيكون الفرد مُنتِجاً فاعلاً، وجزءاً أساسيّاً في نهضة مجتمعه.[٦]
رأي الإسلام في التّضامن والتّعاونشجّع الإسلام التّضامنَ والتَّعاونَ بين أفراد المجتمع؛ لأنّ هذا أساسُ كلِّ نجاحٍ وتقدُّمٍ، وبه يقوم دين الأفراد ودُنياهم، فكلمتهم لن تتوحّد، ومصالحهم الدنيويّة لن تتمّ وتترتّب، وعدوُّهم لن يخشى بأسهم، إلّا بالتّضامن الذي أوجبه الإسلام، وجعله من أهمّ الواجبات التي يجب فعلها لتحقيق صلاح المجتمع؛ فالمسلمون مثل البنيان المرصوص والجسد والواحد إن هُم تعاونوا.[٩] وقد وضّح الله عزّ وجلّ أهميّة التّعاون في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).[١٠]
ظهرَت مفاهيم التّضامن والتّعاون وتشاركيّة صنع القرار جليّةً في المُجتمع الإسلاميّ، وذلك عن طريق تطبيق مبدأ الشّورى الرّاسخ في عقول المسلمين وأفعالهم، وفيه سمَتِ الحضارة الإسلاميّة بشكل عامّ.[١١] ومن واجبات المُسلم الحقّ إعادة النّظر في الدين الإسلاميّ، وأخذ معاني السّماحة منه، وإبعاد الشكّ والتّشويه والإساءة عنه.
المجتمع العربيّ في الوقت الرّاهناستُخدِمت منذ القِدم قوانينُ عديدةٌ للسّيطرة على الجماعات، منها قانون (فرِّق تَسُد)، ويُعاني الوطن العربيّ بمجتمعاته المُختلفة في الوقت الحاليّ انقساماتٍ وخلافاتٍ داخليّةً ساهمت في إضعافه، وجعلِه محطّ افتراس دول العالم العُظمى، والتَّعصبُ من أهمّ أسباب التّفرقة والخلاف؛ فهو يؤدّي إلى نبذ الآخرين، وعدم تقبُّل اختلاف الأفكار والمُعتقَدات، ممّا يثير العُنف، وضيق الفكر، والضّغينة.[١٢]ولإيجاد حلٍّ لمشكلة الخلاف، فقد وضع الباحثون قواعدَ عامّةً لذلك، أهمُّها: وجوب دراسة المشكلة، وفهمها فهماً صحيحاً، وتحليل مناحيها وأبعادها جميعها، وفهم الحالة الرّاهنة التي تقع المشكلة ضمن حدودها.[١٣]
المراجعالمقالات المتعلقة بأهمية التضامن والتعاون بين الأفراد والمجتمعات