كان المسلمون على عهد النّبي عليه الصّلاة والسّلام يلوذون به، وينهلون من علمه الشّريف كلّ ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولقد كان عليه الصّلاة والسّلام المرجع والحكم بين المسلمين إذا اختلفوا على أمرٍ معيّن، ولقد نشأ الفقه أو الاستنباط عندما دعت الحاجة إلى ذلك، في ظلّ غياب النّبي الكريم، ففي غزوة بني قريظة حصلت أوّل حالة استنباط فقهيّ عند الصّحابة لقول النّبي الكريم والذي يشكل دليلًا شرعيًّا، حيث أمر النّبي المسلمين ألّا يصلّوا صلاة العصر إلا في بني قريظة، وفي المسير إلى بني قريظة حان موعد صلاة العصر ليختلف المسلمون فيما بينهم في تفسير مراد قول النّبي، فمنهم من رأى أنّ النّبي الكريم إنّما قصد بقوله الاستعجال فقط، وليس تفويت صلاة العصر فأدّى هذا الفريق صلاة العصر قبل الوصول إلى بني قريظة، ومنهم من رأى أنّ النّبي الكريم إنّما أراد ذلك تعيينًا، والأصل الالتزام بظاهر أمر النّبي الكريم، وقد أقرّ النّبي الفريقين على فعلهما، لتأسّس تلك الحادثة منهج الفقه الإسلامي، ومن ثمّ علم أصول الفقه، فما هو علم أصول الفقه؟ وما هي غايته؟ وما هي القواعد الشّرعيّة المجمع عليها بين الأئمة وغير المجمع عليها؟
معنى علم أصول الفقه ومباحثهعلم أصول الفقه: هو العلم الذي يبحث في استنباط الأحكام الشّرعيّة، التي تتعلّق بحياة المسلمين ومعاملاتهم، ويكون هذا الاستباط من الأدلّة الشّرعيّة المعتبرة وفق قواعد وأصول معيّنة، وإنّ الأدلة الشّرعيّة التي أجمع عليها العلماء هي أربعة، أوّلها القرآن الكريم الذي هو المصدر الأول للتّشريع ويتّسم بأنّه قطعيّ الثّبوت، والمصدر الثّاني هو السّنّة النّبويّة الشّريفة التي تتضمّن أحاديث الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، والمصدر الرّابع هو الإجماع أي إجماع المسلمين على أمرٍ معيّن، واعتُبر دليلًا مجمعًا عليه لقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام ( لا تجتمع أمتي على ضلالة )، أمّا المصدر الرّابع فهو القياس، ومعناه قياس حكم شيء على شيء محرّم نصّاً بالقرآن والسّنة، واشتركا معا في علّة التّحريم وسببه، وهناك أدلة شرعيّة غير مجمع عليها منها الاستحسان والاستصحاب، وقول الصحابيّ، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة.
ومن الأمور التي يبحث بها علم أصول الفقه القواعد الشّرعيّة، والأصول، ومنها القاعدة الشّرعيّة لا ضرر و لا ضرار، أو الأصول المعتبرة ومنها أنّ النّهي يفيد التّحريم، والأمر يفيد الوجوب، ويبحث في طرق الاستدلال، ومنها تقديم القرآن الكريم على السّنّة، والبحث في صفات المجتهد، وامتلاكه لأدوات الاجتهاد، فهو علمٌ شامل لكلّ ما يتعلّق بأمور الاستنباط، وأدواته فهو علم سُخّر لخدمة الفقه الإسلاميّ، ووضع قواعد وأسسّاً له.
المقالات المتعلقة بأصول الفقه